يبقى المضمون السري لمحادثات سوتشي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، لغزاً، ما أتاح للرجلين الإعلان عن الاتفاق على إقامة منطقة عازلة حول إدلب التي تحتضن عشرات الآلاف من عناصر المعارضة المعتدلة والمتطرفة في آن. بعكس قمة طهران التي عقدت بين الرؤساء الثلاثة الروسي والإيراني والتركي، ولم تخرج باتفاق، بل بتباينات في المواقف حول تسوية الوضع في إدلب من خلال الحل العسكري الذي رفضه أردوغان بقوة، بحجة حرصه المفاجئ على المدنيين في المدينة، وملوحاً لدول أوروبا بأنه سيفتح الحدود أمام طوفان من اللاجئين من إدلب نحو بلاده، ومنها نحو أوروبا، كما حدث قبل أعوام .
الرئيس التركي كان، على ما يبدو، مستعداً لمواجهة حليفيه الروسي والإيراني، والنظام السوري، في إدلب انطلاقا من حرصه على الحفاظ على الوضع القائم حتى لا يفقد حلفاءه من الجماعات المتطرفة، مثل «هيئة تحرير الشام» (جبهةالنصرة)، وفلول «داعش»، وغيرهما من الجماعات، وكذلك فإنه حريص على جماعته من قوات جماعة «الإخوان المسلمين» والتركمان، التي يعتبرها معتدلة، كما أنه حريص على عدم المسّ بالتوغل التركي في منطقة عفرين. وكانت تركيا اقترحت في وقت سابق أن يتم توفير ممر آمن للجماعات نحو المنطقة التي يسيطر عليها «الإخوان» في ادلب قبل قمة طهران.
تركيا لا تريد التفريط في هذا المخزون من المسلحين حالياً، رغم إعلانها بعض الجماعات إرهابية. فمنذ شهور وتركيا تعلن معارضتها لأية عملية عسكرية في إدلب، لأنها تخشى من تسلل قوات الحماية الكردية إلى المعركة، والعودة الى الانقضاض على الجيب التركي الذي احتلته تركيا في عفرين، ولذلك سعت تركيا إلى إدخال قوات لها في إدلب، وإقامة 12 نقطة عسكرية عند الحدود، دعمتها بقوات هجومية كبيرة من الدبابات، والمدفعية، قبل قمتي طهران وسوتشي، في مؤشر إلى اعتزام الاتراك خوض المعركة في إدلب مهما كان الثمن. وكانت فكرة إيجاد منطقة عازلة في إدلب برزت في تصريحات تركية منذ شهور، لأنها تضمن مصالح تركيا في سوريا، وحلفائها، هناك. وليس سراً أن القوات التركية لعبت دوراً في حملة الاعتقالات في إدلب لمئات من العناصر ممن اشتبه في محاولتهم التوصل إلى تسويات مع الروس، كما حدث في مناطق أخرى في السابق.
ما خفي في اتفاق سوتشي، كما تقول بعض التحليلات والمعلومات، هو تعهد تركيا بنزع الأسلحة الثقيلة من المعارضة على اختلاف تصنيفها، ما يعني إضعاف المعارضة إلى أدنى درجة، وكذلك السماح ضمناً للطيران الروسي بمواصلة قصف من يعتبرهم متطرفين إرهابيين، ودخول القوات الروسية المنطقة العازلة المتفق عليها. وتشير هذه المعلومات إلى أنه جرى الاتفاق بين بوتين وأردوغان على فرز الجماعات المعارضة، وتفتيتها تدريجياً، مع السماح لتركيا بسحب حلفائها إلى حدودها، وتوزيع الأجانب من جماعات المعارضة على بلدانهم، ومنهم آلاف من المسلمين الإيجور الصينيين والشيشان، بينما هناك من يذهب إلى أن تركيا ستسهل سراً نقل بعض العناصر إلى شمال إفريقيا، وبالتحديد نحو مصر لاحقاً. والهدف التالي لروسيا هو تصفية الوجود الأمريكي في سوريا، في قاعدة التنف وشرق الفرات .
لكن السؤال الذي طرح غداة الاتفاق في سوتشي هو هل إسقاط الطائرة الروسية بعد ساعات جاء صدفة، أم أنه مرتب للتشويش على الاتفاق؟ الناطق الروسي قال إن «إسرائيل» لم تبلغهم عبر الخط الساخن عن الضربة الجوية في منطقة اللاذقية إلا قبل أقل من دقيقة. ويكشف هذا الحادث عن عمق التنسيق العسكري بين «إسرائيل» وروسيا، وأن روسيا حريصة على عدم عرقلة النشاط العسكري «الإسرائيلي» في سوريا ضد النظام، وحلفائه من «حزب الله»، وايران، حيث اعترفت «إسرائيل» بشن 200 عملية في سوريا خلال السنوات الأخيرة، من دون عرقلة من الروس، كما زار نتنياهو موسكو ست مرات للتنسيق العسكري فوق سوريا، ولذلك أكد بوتين في تصريحاته التي أعقبت الهجوم أن بلاده ستسعى إلى حماية قواعدها في سوريا بشكل سيلمسه الآخرون، ما يعني تزويد قواته بمنظومات صاروخية مضادة اكثر دقة، وربما قيادة الدفاعات الجوية السورية في المناطق التي تتواجد فيها قوات روسية، أو زيادة التنسيق مع «تل أبيب». عملياً، لن تؤثر هذه العملية في متانة العلاقات بين «تل أبيب» وموسكو، لأنه ثبت أن التفاهمات الروسية – « الإسرائيلية» عميقة، طالما أن موسكو تطبق هيمنتها على سوريا بالتدريج، وجاء اتفاق إدلب ليعطيها حصة الأسد.
66 2 دقائق