لم يكن مفاجئاً، أن تحاول عصابات الإرهاب الإخواني الداعشي، إفساد الاحتفالات بنصر أكتوبر العظيم، بالقيام ببعض عملياتها المنحطة.. فقد أصبح ذلك إحدى أولوياتها، حيث تزامنت بعض أحط جرائمها مع احتفالات مصر بأعيادها الوطنية أو المناسبات الدينية.
ولم يكن مفاجئاً أيضاً، أن يكون الوضع مختلفاً الآن، وأن يتم إجهاض كل هذه العمليات الإجرامية قبل تنفيذها، وأن تتلقى هذه العصابات ضربات استباقية صاعقة، توقع بها عشرات القتلى، وتؤكد لها أن لحظات اليأس التي تعيشها سوف تنتهي، مع استئصال كل جذور الإرهاب من أرض مصر.
ومع الضربات الساحقة لتصفية الجيوب الباقية من عصابات الإرهاب التي تختبئ كالجرذان في بعض المناطق الوعرة، التي تتركز في بقعة صغيرة في شمال سيناء، كان هذا الجزء العزيز من الوطن يحتفل مع مصر والعرب جميعاً، بأكتوبر العظيم، الذي عبر فيه جنود مصر البواسل لاسترداد سيناء من قبضة الاحتلال، وإعادته لأحضان الوطن، كان مئات الألوف من المصريين والسياح الأجانب يملؤون هذه المنطقة السياحية العالمية بالبهجة والفرح. وكانت سواعد أبناء مصر تواصل العمل في مشروعات جبارة لتعمير سيناء، ولزرع الخير في كل أرجائها، ولتحويلها مع منطقة قناة السويس، إلى واحدة من أهم المناطق الاقتصادية في العالم كله.
وفي الوقت ذاته، كان الخبر الأهم يأتي مع احتفالات أكتوبر من الجانب الآخر للحدود المصرية، حيث كان سقوط واحد من أهم قيادات العصابات الإرهابية في قبضة الجيش الليبي، وهو الإرهابي المصري الجنسية، هشام عشماوي، قائد تنظيم «المرابطين»، والمسؤول عن عدد كبير من العمليات الإجرامية، والمحكوم عليه بالإعدام غيابياً في مصر، عن بعض هذه الجرائم البشعة التي استهدفت الدولة ومؤسساتها، والجيش والشرطة، والمواطنين الآمنين، وخاصة من أقباط مصر.
سقوط هذا الإرهابي الخطر، يمثل ضربة قاصمة لعمليات الإرهاب ومن يقفون وراءها ويدعمونها بالمال والسلاح، كان عشماوي واحداً ممن كان لهم شرف الانتماء لجيش مصر الوطني، كان ضابطاً واعداً، تلقى دورات تدريبية متقدمة في مصر والخارج، لكنه بدأ السير في طريق التطرف قبل أكثر من عشر سنوات، ليتم فصله من الخدمة العسكرية عام 2011، وبعدها مضى بعيداً عن القوات المسلحة، وانخرط في طريق الإرهاب والخيانة، وقام بتأليف «خلية مدينة نصر» الإرهابية، وصدر عليه حكم غيابي بالسجن، ثم سافر إلى سوريا عن طريق تركيا، حيث شارك بخبرته العسكرية في تخطيط العمليات الإرهابية وتنفيذها، ليعود بعد ذلك إلى مصر في ظل حكم الإخوان، وتحت رعايتها، ليتم نقله إلى سيناء، ليكون أحد قيادات عمليات تحويل سيناء العزيزة إلى مركز لجماعات الإرهاب بتمويل قطري وإشراف إخواني، ودعم من قوى أخرى، في مقدمها تركيا أردوغان.
وبعد سقوط حكم الإخوان، حاول الداعمون لهذه الجماعة الإرهابية أن يكرروا مأساة سوريا وليبيا في مصر، وكان عشماوي على رأس محاولة إنشاء ما أسموه «جيش مصر الحر»، لكن المحاولة فشلت، وكان البديل هو التركيز على تنظيم بيت المقدس الإرهابي، الذي أعلن ولاءه للقاعدة، والذي قام بعمليات إرهابية كبيرة، كانت خبرة عشماوي وراء العديد منها، وبعدها انفصل عشماوي عن التنظيم الذي نقل ولاءه لداعش، بينما قام هو بتشكيل تنظيمه الخاص «المرابطين»، ونقل مقر إقامته إلى ليبيا، ليوزع عملياته الإجرامية بين القطرين الشقيقين «مصر وليبيا»، وليكون المسؤول عن جرائم بشعة، مثل حادث الواحات، الذي راح ضحيته أكثر من عشرين شهيداً من العسكريين، ومحاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق محمد إبراهيم، ثم اغتيال المدعى العام هشام بركات، ثم مذبحة أتوبيس الأقباط الدامية، وغيرها من الحوادث الإجرامية التي كانت الأراضي المصرية مسرحاً لها.
قصة انحراف عشماوي ووقائع سقوطه، تضعنا أمام العديد من الحقائق:
سقوط عشماوي حياً أمر بالغ الأهمية، وهي نقطة تحسب لمن قاموا بعملية إلقاء القبض عليه، والتي تمت بدقة متناهية، وبمفاجأة شلت قدرة عشماوي ومن معه، ومنعته من استخدام السلاح أو الحزام الناسف.
عشماوي هو مستودع حي لأخطر العمليات، ومن هنا، يجب التشديد على تأمينه بكل الوسائل من جانب السلطات الليبية والمصرية.
سقوط عشماوي من ناحية، وضرب كل محاولات عصابات الإرهاب الإخواني الداعشي للقيام بعمليات في سيناء، تتواكب مع احتفالات مصر بنصر أكتوبر، لا بد أن يذكرنا بأن المعركة ضد الإرهاب مستمرة، وأنها «كما قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في ذكرى أكتوبر»، معركة أصعب من معركة العبور.
والأمر هنا يضعنا أمام أسئلة عديدة، لعل أخطرها في هذه الواقعة، هو السؤال الذي لا يريد أحد أن يجيب عنه: إلى أين سيذهب دواعش سوريا والعراق؟! وهل ليبيا هي الوجهة المستهدفة «بعد أن سقط مشروع توطين الإرهاب في سيناء».. خاصة بعد أن عادت للبحر المتوسط أهميته في الصراعات الدولية، مع اكتشافات الغاز، ومع دخول أوروبا إلى مرحلة أصبحت فيها وحدتها في مهب الرياح!!
زوايا الرؤية كثيرة، لكنني لا أريد أن أبتعد كثيراً عن الحدث. رأس الأفعى في عصابات الإرهاب سقطت، قبل كل شيء، ينبغي الحفاظ عليها وتأمينها تأمينا كاملاً، سقوط عشماوي لا يفتح فقط الباب لسقوط تنظيمات وخلايا إرهابية في مصر وليبيا، لكن أيضاً يفتح باب الأسرار عن دور الدول الراعية للإرهاب، وفي مقدمها قطر. والأهم من ذلك أنه ينبهنا إلى أن المخاطر مستمرة، ما دامت هناك قوى إقليمية ودولية تراهن على الإرهاب. سقط عشماوي، وسيسقط آخرون.
بركات أكتوبر هذا العام، تستحق احتفالاً مزدوجاً.. بالنصر الذي تحقق، والنصر المقبل بإذن الله.