على الرغم من مرور عام على حادث ارتكاب قطعان من المستوطنين المتطرفين جريمة إحراق عائلة الدوابشة الفلسطينية، إلا أن الحريق لايزال مشتعلًا في قلوب الفلسطينيين الذين شهدوا على الجريمة البشعة التي ارتكبها متطرفي الاحتلال، وبرئتهم السلطات القضائية الصهيونية، وتواطأت معهم الأنظمة العربية والغربية بصمتها وعلى رأسها النظام الفلسطيني، وطوتها المنظمات الدولية والحقوقية.
إحياء الذكرى
أحي مئات الفلسطينيين الأحد، الذكرى الأولى لحرق عائلة دوابشة، في بلدة دوما جنوب شرق نابلس شمالي الضفة الغربية، وأقيم مهرجان خطابي في مدرسة دوما الثانوية، والتي أطلق عليها اسم مدرسة “علي دوابشة”، نسبة للرضيع الذي قضى في المحرقة، وخلال المهرجان قال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، محمود العالول، نقف اليوم في الذكرى الأولى لمحرقة عائلة دوابشة، وما تزال الانتهاكات الإسرائيلية متواصلة، يقتلون ويهدمون ويسرقون الأرض، الاستيطان متواصل، وأضاف: الحكومة الإسرائيلية تريد فرض وقائع على الأرض، تريد بث الرعب في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني، ينتهجون استراتيجية زرع الرعب، هذه السياسية القديمة الجديدة، تدفعنا للتصدي ومقاومتهم.
الناجي الوحيد يعود إلى “دوما”
عاد الطفل الفلسطيني، أحمد دوابشة البالغ من العمر 5 سنوات مرة أخرى إلى بلدته “دوما”، جنوب شرقي مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، بعد رحلة علاج في الأراضي المحتلة استغرقت نحو عام نتيجة تعرضه لحروق بالغة أثناء إحراق مستوطنين لمنزله العام الماضي، حيث أصيب جسده بحروق بنحو 60%.
ووفقًا لجد الطفل، محمد الدوابشة، فقد أخذ أحمد بعد عودته إلى بيت عائلة جده بالبلدة يلهو باستمرار، مكثرًا من السؤال عن مكان والديه وشقيقه الرضيع، حيث يقول أحمد: متى بدنا نروح الجنه عندهم، هل الجنة بعيدة؟، وبينما يركض الطفل نحو بيت عائلته المحترق القريب من بيت جده ويحاول دخوله لكن الأبواب موصدة، وتقول جدته “رحاب الدوابشة”: لا نسمح له بدخوله، لا نريد أن يرى بقايا الحريق، عربة شقيقه، وبقايا من أغراضه، يسأل دائمًا عن والديه”، وتضيف الجدة: يسأل لماذا اختاروا اليهود أبي وأمي؛ فالطفل يلح في إيجاد جواب يشفي غليل ما يخالج صدره حول مصير والديه، وعن بيتهم وعن تفاصيل صغيرة ما تزال عالقة في ذاكرته.
تفاصيل الجريمة
في فجر يوم 31 يوليو من العام الماضي، فتحت عائلة الدوابشة أعينها على نيران تكسر الظلام الكاحل الذي تعيش فيه، حيث أقدم مستوطنون متطرفون تسللوا إلى قرية دوما تحت جنح الظلام على إضرام النار في منزل العائلة باستخدام زجاجات حارقة، مما أدى إلى استشهاد الرضيع “علي الدوابشة” البالغ من العمر 18 شهر، فيما أصيب والداه وشقيقه “أحمد الدوابشة” بجروح خطيرة، لكن بعد أيام قليلة استشهد الأب “سعد” متأثرًا بإصابته، فيما أعلن عن استشهاد الأم “ريهام” عقب الجريمة بأكثر من شهر، ليبقى الطفل “أحمد” يواجه الحياة بمفرده بعد أن اكتسب مقاومة منذ نعومة أظافره وشاهد جريمة الاحتلال التي قتلت عائلته.
إدانات فارغة وتحركات باهتة
لاقت الجريمة البشعة حينها أصداء واسعة داخليًا وخارجيًا، حيث أدان الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل ابو ردينة، تلك الجريمة، وقال: إن صمت المجتمع الدولي على هذه الجرائم وإفلات الإرهابيين القتلة من العقاب أدى إلى جريمة حرق الرضيع دوابشة، كما حدث مع الطفل محمد أبو خضير، فيما أعلن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أن السلطة ستجهز ملفا بشأن الجرائم الإسرائيلية وجريمة قتل الرضيع علي دوابشة حرقًا على أيدي مستوطنين، وستتوجه به فورًا إلى محكمة الجنايات الدولية، وشدد عباس حينها على أن القيادة الفلسطينية لن تصمت على هذه الجرائم، وأضاف: لو أرادت الحكومة الإسرائيلية والجيش منعهم لقاموا بذلك، يقولون إرهاب يهودي ولكن ماذا بعد هذه الكلمة، هل من إجراء؟.
من جانبه حمّل كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، الحكومة الاسرائيلية المسؤولية الكاملة لاغتيال الطفل “سعد” وعائلته، مضيفًا أنه نتيجة مباشرة لإفلات إرهاب المستوطنين من العقاب طوال عقود، فيما دانت حركة حماس الجريمة وقال الناطق باسم الحركة، حسام بدران، إن قتل الرضيع والعائلة، هي جريمة تتحمل مسؤوليتها القيادة الإسرائيلية التي تصدر الأوامر وتحرض على قتل الفلسطينيين حتى وهم أطفال، ولم يختلف موقف حركة الجهاد الإسلامي عن موقف حركة حماس كثيرًا، حيث قالت إن جريمة المستوطنين في دوما تمت بدعم وحماية من قوات الجيش الاسرائيلي التي دفعت بها حكومة الاحتلال لحماية إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية.
في الوقت نفسه أدان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في حينها، الحريق المتعمد في قرية دوما، وطالب بتقديم مرتكبي هذا العمل الإرهابي إلى العدالة، كما قالت مسؤولة الشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغريني، “يجب على السلطات الإسرائيلية اتخاذ إجراءات حاسمة لحماية السكان المحليين، إضافة إلى العديد من الدول التي أدانت واستنكرت هذه الجريمة وعلى رأسها مصر والسعودية وتركيا والأردن.
موجة الإدنات والاتهامات التي وجهتها العديد من الأنظمة والحكومات والمنظمات والهيئات إلى الحكومة الإسرائيلية، دفعت الأخيرة إلى محاولات تهدئة الوضع ولو ظاهريًا، حيث قالت إنها ستبدأ باحتجاز مواطنين يشتبه في أنهم مارسوا العنف السياسي ضد الفلسطينيين، وحسب النيابة الإسرائيلية فإن 4 يهود بينهم قاصران اثنان متهمين بحرق العائلة، لكن في يونيو الماضي أفرجت المحكمة العليا عن أحد المستوطنين اليهود المتهمين بحرق العائلة والذي يدعى “مئير ايتنغر”، بدعوى عدم بلوغ المتهم سن الرشد وقت الجريمة، ولا يزال باقي المتهمين يماطلون بتواطؤ مع المحكمة بخدع وطرق مكشوفة لكسب المزيد من الوقت واستنزاف الأطراف الأخرى.
وكأن شيئًا لم يكن، فسريعًا ما عادت الأمور إلى طبيعتها، حيث غطى الغبار الملف في الجنائية، وتناست السلطات الفلسطينية حق العائلة التي انتهت حياتها، ورجعت المياة إلى مجاريها في العلاقات العربية والغربية الإسرائيلية، وعاد المستوطنين المتطرفين إلى التخطيط والتدبير من جديد إلى جرائم مماثلة كان أقربها تلك الدعوات التي انطلقت من مستوطنين متطرفين لقتل الطفل أحمد الدوابشة، تعليقًا على خبر خروجه من المستشفى عائدًا إلى منزل جده في قرية دوما، حيث كتبت المتطرفات الصهاينة: بعون الرب، أحمد سينضم قريبًا إلى باقي أفراد عائلته تحت الأرض، في حين كتب متصفح آخر ساخرًا: خسارة أنه لم يمت، لكان بإمكانه أن يدخل الجنة وتكون عندها حفلة كبيرة.