بسام عبد السميع يكتب: سدود النيل .. صراع البقاء
تصارع مصر أمواجاً عاتية أشدها خطراً حجز مياه النيل عبر سد إثيوبيا، الأمر الذي يحتم على مصر استخدام كل الوسائل لحماية بقاءها وإزالة كافة الأخطار التي تتهدد وجودها.
وبهدوء وثقة في التعامل مع كل التحديات، أجابت مصر عبر جلسة استثنائية لمجلس الأمن، عن كل التساؤلات بشأن سد أثيوبيا، معلنةً بوضوح شديد موقفها حال استمرار إثيوبيا في تعنتها وتصرفها بطريقة أحادية لملء السد، ومطالبة مجلس الأمن ببذل كل الجهد ودعم أي مبادرة قد تساهم في إزالة هذا الخطر الداهم ورفع هذا التهديد الذي يلوح في الأفق، مؤكدة في نفس الوقت سعيها الدائم لدعم دول أفريقيا.
ويحقق سد أثيوبيا في حال التشغيل والملء بصورة أحادية فرصة القضاء على الحياة للأجيال المقبلة، وهو ما يستوجب إزالة أية سدود قائمة أو يجرى العمل على إنشاءها، بأي طريقة من الطرق، طالما يثبت تهديدها للوجود المصري.
ودفعنا استمرار إثيوبيا بالإصرار على التصرف بشكل أحادي، إلى العودة للوراء قليلاً لقراءة بعض ملامح الصورة المتصلة بمياه النيل، فمع مطلع الألفية الحالية بدأ الكيان الصهيوني شراء مساحات شاسعة في دول حوض النيل لإقامة السدود والتحكم في مسار النهر، مع بعض التسريبات عن أنشطة لتطوير نباتات مشابهة لورد النيل تستهلك كميات هائلة من مياه النيل ويتم زراعتها في دول المنبع لتهديد دول المصب.
وبرصد مشروع سدود مياه النيل، نذهب إلى وزارة الزراعة الأمريكية عام 1962، حينما قدمت لإثيوبيا دراسات تفصيلية لإنشاء 33 سداً على مجرى النهر، مع تنسيق إسرائيلي، بتوجيه دول حوض النيل لإنشاء سدود على مجرى النهر، وبدعم مالي متعدد المصادر يتم توفيره عبر أطراف المؤامرة وهو ما يجري إنجازه حالياً.
ويستهدف المخطط الصهيوني الأمريكي -القديم المتجدد-، الضغط على مصر لإمداد تل أبيب بالمياه عبر الحديث عن قضية تدويل الأنهار من خلال هيئة مشتركة من مختلف الدول المتشاطئة في نهر النيل – وهو ما يجري العمل عليه منذ تيودور هرتزل الأب الروحي للصهيونية، والذي طلب من كرومر عام 1903 الاستيطان في سيناء وتمديد النيل في أنابيب عبر قناة السويس.
ويعد كتاب «النيل في خطر: مشروعات تحويل مياه النيل، من هرتزل إلى بيجن (1903-1980)» والذي أصدره الراحل، كامل زهيري نقيب الصحفيين الأسبق ورئيس اتحاد الصحفيين العرب، أحد الوثائق الهامة في مسار الصهيونية للسيطرة على مياه النيل.
وكانت العصابة الصهيونية، طالبت مصر في سبعينات القرن الماضي، بمدها بنصيب من مياه النيل عن طريق سيناء، وإلا ستقوم بإحداث متاعب لمصر في منابع النيل في إثيوبيا ومنطقة البحيرات وهو ما يجري تنفيذه ضمن استكمال مشروع «من النيل إلى الفرات».
ويشكل إنجاز السدود على نهر النيل البنية التحتية لتحويل كل مصادر المياه إلى خزان عملاق بوسط القارة، لبيع المياه مقابل رسوم عبر بورصات المياه المتوقع تدشينها خلال السنوات القليلة المقبلة، والتي تناولها باستفاضة الصحفي مصطفى خلاف في كتابه الذي صدر الشهر الجاري تحت عنوان :«سد النهضة .. لعبة بنوك المياه في دول حوض النيل ».
وتقوم إسرائيل حالياً بإنجاز أربعة سدود على النيل في أثيوبيا لحجز المياه، وتوليد الكهرباء، وذلك بعد أن تقدمت شركات استثمارية إسرائيلية يملكها جنرالات متقاعدون في الموساد بعروض للمساهمة، سواء في مشاريع بناء السدود على منابع نهر النيل أو في مشاريع زراعية.
وكان السياسي الأمريكي مايكل كيلو، مؤلف كتاب “حروب مصادر المياه”، كشف في مقال بصحيفة « راندي ديلي ميل» الجنوب إفريقية عن اجتماع عقد في تل أبيب بين أعضاء بالكنيست ووزراء إسرائيليين وإثيوبيين، تم خلاله الاتفاق على إقامة مشاريع مشتركة عند منابع نهر النيل.
ورأي مايكل كيلو، أن هذه المشاريع تتضمن إقامة أربعة سدود على النيل لحجز المياه، وتوليد الكهرباء، وضبط حركة المياه في اتجاه السودان ومصر، وهو ما يجري تنفيذه حالياً، وسيتم الملء خلال موسم الأمطار بالهضبة الإثيوبية من يوليو إلى أكتوبر.
وأشار موقع Walt info الإلكتروني الإثيوبي إلى وجود مشروع إثيوبي – إسرائيلي بمساعدة ألمانية لتنمية الزراعة في إثيوبيا، فيما أعلن موقع القناة السابعة التلفزيونية الإسرائيلية عن قيام شركات متخصصة في مجال الاستشارات الهندسية والإنشاءات بتقديم عروض للحكومة الإثيوبية تتضمن المساهمة في القيام بمشاريع استثمارية سكنية على النيل، وذلك بدعم من وزارة الخارجية الإسرائيلية.
ويختص مركز التعاون الدولي في الخارجية الإسرائيلية المسمى بـ«الموشاف» بتصميم وتنفيذ سياسات التعاون مع الدول الإفريقية وخاصة دول حوض النيل ومشاريع السدود.
وتناولت صحيفة يديعوت أحرونوت، قضية تقسيم المياه بين دول حوض النيل، مشيرة إلى أن أصوات طبول الحرب ستدق قريباً بين دول حوض النيل، متسائلة عن إمكانية إسرائيل بتحريك دول حوض النيل لعمل انقلاب على مصر.
وبحسب المعهد الإسرائيلي للتصدير والتعاون الدولي، قدمت إسرائيل إلى كل من الكونغو الديمقراطية ورواندا (من دول المنبع) دراسات تفصيلية لبناء ثلاثة سدود كجزء من برنامج متكامل تمهيداً لمجموعة كبيرة من المشروعات المائية في هذه الدول.
كما تقوم إسرائيل حالياً بتنفيذ مشاريع للري في 10 مقاطعات معظمها في شمال أوغندا، ويجري استخدام المياه المتدفقة من بحيرة فيكتوريا لإقامة هذه المشاريع، بهدف إنقاص المياه الواردة عبر النيل الأبيض لتكتمل عملية منع المياه.
وبرغم كل ما سبق، فإن التاريخ يشير إلى أن مصر حينما تكون لديها قيادة واعية واستعداد تام للتعامل مع الأخطار، فالنصر حليفها.
ومع تصاعد الأخطار التي تحيط بمصر، يؤكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن النيل خط أحمر وأنه حياة أو موت، ماضياً بثبات وقوة وثقة نحو البناء والتنمية الشاملة وتعزيز القدرات، مدعوماً بجيش وطني مخلص وشعب سيبقى عنواناً للصمود والعطاء مهما أصابته المحن والخطوب.
وأدى تصاعد القدرات المصرية العسكرية والاقتصادية والدبلوماسي إلى افتقاد المخططين القدرة على تحديد سيناريوهات مصر في التعامل مع تلك المؤامرة.
ويلوح في الأفق أن الأوضاع الحالية ستتغير قريباً، وأن ساعة الحسم اقتربت، وأن نتائج المؤامرة ستتحول إلى واقع جديد تعود من خلاله مصر لدورها الريادي في المنطقة والعالم.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية