نون والقلم

المستشار بهاء ابوشقة يكتب: فتاوى ابن القيم

مازلنا بصحبة العالم الفيلسوف «ابن القيم»، ويقول بجواز إجراء السباق بين الخيل بغير مُحَلِّل، وصنف فى ذلك مصنفًا اسمه «بيان الاستدلال على بطلان اشتراط محلل السباق والنضال»، وأفاض فيها فى كتابه «الفروسية»، ونصر فيها رأى شيخه ابن تيمية، وخالف قول الأئمة الأربعة حيث اشترطوا المحلل فى السباق. فأنكر عليه السبكى ذلك، ويذكر ابن حجر العسقلانى أنه جرى له بسبب بهذه الفتوى أمور مع السبكى وغيره وأنه قد رجع عن هذه الفتوى، فقال: «وجرت له محن مع القضاة، منها: فى ربيع الأول – يعنى سنة 746هـ – طلبه السبكى بسبب فتواه بجواز المسابقة بغير مُحَلِّل، فأنكر عليه وآل الأمر إلى أنه رجع عما كان يُفتى به من ذلك».

وحكى ابن كثير هذه الحادثة، وذكر ما يفيد أن ابن القيم كان يفتى فى ذلك برأى شيخه ابن تيمية، وأنه صَنَّف مصنفًا لنصرة رأى ابن تيمية، ثم صار يفتى به دون نسبته إلى ابن تيمية فاعتقدوا أنه قوله، فيقول ابن كثير فى حوادث سنة 746هـ: «ووقع كلام فى اشتراط المحلل فى المسابقة، وكان سببه أن الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية صنف فيه مصنفًا من قبل ذلك، ونصر فيه ما ذهب إليه الشيخ تقى الدين بن تيمية فى ذلك، ثم صار يفتى فيه جماعة من الترك ولا يعزوه إلى الشيخ تقى الدين بن تيمية، فاعتقد من اعتقد أنه قوله، وهو مخالف للأئمة الأربعة، فحصل عليه إنكار فى ذلك، وطلبه القاضى الشافعى، ويحصل كلام فى ذلك، وانفصل الحال على أن أظهر الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية الموافقة للجمهور».

وقد شكك بكر بن عبد الله أبو زيد فى رجوعه عن فتواه: «وقضية الرجوع محل نظر، فلا بد من تثبيت ذلك، وأرجو من الله تعالى أن يمنَّ عليَّ بما يدل على ذلك، نفيًا أو إثباتًا». ويذكر بعض المؤرخين الآخرين فى الزمن الحاضر ذلك أيضًا، بدليل أنه ذكر المسألة فى كتابه «إعلام الموقعين عن رب العالمين» ولم يذكر أنه رجع عن رأيه.

وأفتى ابن القيم بأن «الطلاق الثلاث بكلمة واحدة يقع طلقة واحدة»، وهذا هو اختيار شيخه ابن تيمية، فحصل له بسبب ذلك مشاكل مع القضاة، يقول ابن كثير: «وقد كان متصديًا للإفتاء بمسألة الطلاق التى اختارها الشيخ تقى الدين بن تيمية، وجرت بسببها فُصُولٌ يطول بسطها مع قاضى القضاة تقى الدين السبكى وغيره». ولم يبين ابن كثير ما وقع له بسبب ذلك، ومما يؤكد أن فتواه فى مسألة الطلاق قد سببت له مشاكل مع القضاة ما حكاه ابن كثير من الصلح الذى تم بين السبكى وابن القيم فى 16 جمادى الآخرة 750هـ قبل موت ابن القيم بعام واحد، يقول ابن كثير: «حصل الصلح بين قاضى القضاة تقى الدين السبكى، وبين الشيخ شمس الدين بن قَيِّم الجوزية، على يدى الأمير سيف الدين بن فضل ملك العرب، فى بستان قاضى القضاة، وكان قد نقم عليه إكثاره من الفتيا بمسألة الطلاق.

تتفق كتب التراجم أن ابن القيم توفى فى ليلة الخميس 13 رجب سنة 751هـ فى وقت أذان العشاء، وقد كان عمره عند وفاته ستون سنة. وقد ذكر ذلك من المترجمين ابن رجب،وابن كثير، وابن حجر العسقلانى.

وقد ذكر مترجمون آخرون تاريخًا مختلفًا. مثل حاجى خليفة فى كتابه كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون عند ذكر كتاب ابن القيم «أمثال القرآن» فقيده فى سنة 754هـ. وفى سائر المواضع من الكتاب قيده سنة 751هـ. ويذكر بكر أبو زيد أنه أخطأ فى هذا. وذكر السفارينى أن عمره اثنتان وستون سنة، ويذكر بكر بن عبد الله أبو زيد أن الصواب هو ستون سنة هجرية.

صُلى عليه فى اليوم التالى بعد صلاة الظهر فى «الجامع الأموي» ثم «بجامع جراح»، وازدحم الناس على تشييع جنازته، يقول ابن كثير: «وقد كانت جنازته حافلة رحمه الله تعالى شهدها القضاة والأعيان والصالحون من الخاصة والعامة. وتزاحم الناس على حمل نعشه، وكمل من العمر ستون سنة رحمه الله.» ودفن بدمشق بمقبرة الباب الصغير عند والدته.

.. وللحديث بقية

رئيس حزب الوفد

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى