نون والقلم

المستشار بهاء ابوشقة يكتب: صوفية ابن القيم

 مازلنا بصحبة الفيلسوف «ابن القيم»، ونتحدث عن التصوف لديه، والذى يصفه بالزهد وتزكية النفس وتهذيبها من محبة الله وخشيته وتقواه، لتستعد لسيرها إلى صحبة الرفيق الأعلى.

وأن التصوف الحق هو العمل بالسنة واتباع ما أنزل الله على رسوله، ومصادره عنده القرآن والسنة وأقوال الصحابة وأفعالهم التى تدعو إلى الزهد فى الدنيا والترغيب فى الآخرة. كما اعتدَّ بما سمعه من شيخه ابن تيمية فى ذلك، فيقول: «والمعصوم من عصمه الله، فلا شيء أنفع للصادق من التحقق بالمسكنة والفاقة والذل وأنه لا شيء، ولقد شاهدت ذلك من شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه من ذلك أمرًا لم أشاهده من غيره، وكان يقول كثيرًا: ما لى شيء، ولا منى شيء، ولا فى شيء»، كما استأنس بأقوال الأئمة السابقين فى ذلك مثل الجنيد وذى النون المصرى وسفيان الثورى وابن حنبل والهروى وغيرهم.

وقد قسَّم الصوفية إلى ثلاثة أقسام مثلما قسّمها شيخه ابن تيمية، فقسمهم إلى: صوفية الحقائق وهم الزهَّاد الحكماء المُتبعون لسنة النبى، وصوفية الأرزاق الذين يتخذون التصوف حرفة لكسب الرزق، وصوفية الرسم وهم المقتصرون على النسبة للصوفية فى اللباس والآداب الوضعية، وقد أنكر عددًا من البدع التى وقع فيها المنتسبون للتصوف مثل: القول بوحدة الوجود مثل ابن عربى والحلاج، والقول بسقوط التكليف، والتفرقة بين الحقيقة والشريعة، وتحكيم الذوق ورفض العلم، والتعبّد بما لم يُشرِّع الله. ومما قاله عن ذلك: حتى قيل لبعض من زعم أنه ذاق ذلك: قم إلى الصلاة.

فمن لم ير القيام بالفرائض إذا حصلت له الجمعية – يعني: اجتماع القلب – فهو كافر منسلخ من الدين، ومن عطل لها مصلحةً راجحة كالسنن الرواتب، والعلم النافع، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والنفع العظيم المتعدى، فهو ناقص، أي: أن فعله ناقص وفيه خلل.

وقسّم ابن القيم الحديث المتواتر إلى متواتر لفظًا ومعنى، ومتواتر معنى، وإن لم يتواتر لفظه. فأشار إلى ذلك قائلًا: «كالأخبار الواردة فى عذاب القبر، والشفاعة، والحوض، ورؤية الرب تعالى، وتكليمه عباده يوم القيامة. ومما يُعلم بالاضطرار أن الرسول صلي الله عليه وسلم جاء بها. فإنه ما من باب من هذه الأبواب، إلا وقد تواتر فيها المعنى المقصود عن النبى صلي الله عليه وسلم تواترًا معنويًا. امتنع فى مثلها – فى العادة – التواطؤ على الكذب عمدًا أو سهوًا»، أما خبر الآحاد فمذهبه أنه يفيد العلم، موافقًا لمذهب أهل الحديث ومخالفًا لأهل الكلام، ويشترط فى أخبار الآحاد أن تكون مروية بنقل العدل الضابط، عن العدل الضابط، عن مثله، حتى تنتهى إلى النبي.

أما الحديث الصحيح فقد تناول ابن القَيِّم شروط الحديث الصحيح فى عدة مناسبات، وبين أن الحديث لا يصح إلا بتوافر هذه الأمور، فقال: «فإن الحديث إنما يصح بمجموع أمورٍ، منها: صحة سنده، وانتفاء عِلَّتِهِ، وعدم شذوذه ونكارته، وأن لا يكون راويه قد خالف الثقات أو شَذَّ عنهم»، كما كان يُفرِّق بين قولهم «حديث صحيح» وإسناده صحيح، فيقول: «ومن له خبرة بالحديث يُفَرِّقُ بين قول أحدهم: هذا حديث صحيح، وبين قوله: إسناده صحيح. فالأول: جَزْمٌ بصحة نسبته إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم، والثاني: شهادة بصحة سنده، وقد يكون فيه علةٌ أو شذوذ، فيكون سنده صحيحًا، ولا يحكمون أنه صحيح فى نفسه».أما الحديث الحسن فيرى أنه على مراتب منها ما يقارب الصحيح ومنها ما يقارب الضعيف. أما الحديث المرسل فذهب إلى قبوله إذا توافرت فيه عدة شروط، فقال: «الْمُرْسَلُ: إذا اتصَّل به عملٌ، وعضده قياسٌ، أو قول صحابى، أو كان مُرْسِلُه معروفًا باختيار الشيوخ».

.. وللحديث بقية

رئيس حزب الوفد

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى