نون والقلم

المستشار بهاء ابوشقة يكتب: ابن القيم

نواصل الحديث عن العظماء من الفلاسفة الذين غيروا وجه التاريخ على الأرض، واليوم نتحدث عن عالم فيلسوف هو «ابن القيم الجوزية»، وهو أبوعبدالله شمس الدين محمد بن أبى بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعى، المشهور باسم «ابن القيم الجوزية» أو «ابن القيم»، هو فقيه ومحدث ومفسر وعالم مسلم مجتهد وواحد من أبرز أئمة المذهب الحنبلى فى النصف الأول من القرن الثامن الهجري.

نشأ ابن القيم حنبلى المذهب؛ فقد كان والده «أبوبكر بن أيوب الزرعي» قيمًا على «المدرسة الجوزية الحنبلية»، وعندما شبَّ واتصل بشيخه ابن تيمية حصل تحول بحياته العلمية، فأصبح لا يلتزم فى آرائه وفتاويه بما جاء فى المذهب الحنبلى إلا عن اقتناع وموافقة الدليل من الكتاب والسنة ثم على آراء الصحابة وآثار السلف، ولهذا يعتبره العلماء أحد المجتهدين.

وُلد ابن القيم سنة 691 هـ المُوافقة لسنة 1292م، فنشأ فى مدينة دمشق، واتجه لطلب العلم فى سن مبكرة، فأخذ عن عدد كبير من الشيوخ فى مختلف العلوم منها التفسير والحديث والفقه والعربية، وقد كان ابن تيمية أحد أبرز شيوخه حيث التقى به فى سنة 712هـ/1313م، فلازمه حتى وفاته فى سنة 728هـ/1328م، فأخذ عنه علمًا جمًا واتسع مذهبه ونصره وهذب كتبه، وقد كانت مدة ملازمته له سبعة عشر عامًا تقريبًا. وقد تولى ابن قيم الجوزية الإمامة فى «المدرسة الجوزية»، والتدريس فى «المدرسة الصدرية» فى سنة 743هـ.

سُجن ابن القيم مع ابن تيمية بسبب إنكاره لشد الرحال لزيارة القبور، وأوذى بسبب هذا فقد ضُرب بالدرة وشُهِّر به على حمار. وأفرج عنه فى يوم 20 ذو الحجة سنة 728هـ وكان ذلك بعد وفاة ابن تيمية بمدة. ويذكر المؤرخون أنه قد جرت له مشاكل مع القضاة منها فى شهر ربيع الأول سنة 746هـ بسبب فتواه بجواز إجراء السباق بين الخيل بغير مُحَلِّل. وكذلك حصلت له مشاكل مع القضاة بسبب فتواه بمسألة أن الطلاق الثلاث بكلمة واحدة يقع طلقة واحدة.

وتوفى فى 13 رجب سنة 751هـ وعمره ستون سنة، ودُفن بمقبرة الباب الصغير بدمشق، سار ابن القيم على نهج شيخه ابن تيمية فى العقيدة، كما كان له آراء خاصة فى الفقه وأصوله ومصطلح الحديث وغير ذلك من المسائل. واشتهر بمؤلفاته فى العقيدة والفقه والتفسير والتزكية والنحو بالإضافة إلى القصائد الشعرية.

كان لابن قيم الجوزية تأثير كبير فى عصره فيشير المؤرخون إلى أخْذ الكثيرين العلم على يديه. وكذلك برز أثره إلى جانب شيخه ابن تيمية فى أماكن متفرقة من العالم الإسلامى فى وقت لاحق، فكانت حركة محمد بن عبدالوهاب التى ظهرت فى القرن الثانى عشر الهجرى امتداداً لدعوة ابن تيمية، وكان محمد بن عبدالوهاب يعتنى اعتناء كاملًا بكتبه وكتب ابن القيم، وكذلك الحال بالنسبة لمحمد رشيد رضا. وفى شبه القارة الهندية برز أثر كتبهما أيضاً فى عديد من طلبة العلم ونُشرت كتبهما على أيدى العلماء هناك.

واشتهر شمس الدين محمد بلقب ابن قيم الجوزية ويُختصر فيقال ابن القيم، وتتفق كتب التراجم أن سبب شهرته بهذا الاسم هو أن والده «أبا بكر بن أيوب الزرعى» كان قيمًا على «المدرسة الجوزية»، الواقعة بمدينة دمشق مدةً من الزمن، فاشتهر بعد ذلك بلقب «قيم الجوزية» واشتهرت من بعده ذريته بهذا الاسم. وقد درج المترجمون له وفيهم تلامذته على هذا الاسم «ابن قيم الجوزية». ومنهم ابن رجب الحنبلى والصفدى وابن كثير والذهبي. واختصار اسمه بقول ابن القيم فهو شائع والأكثر اشتهارًا اليوم. وقد كان مشهوراً عند بعض العلماء المتأخرين كابن حجر العسقلانى وجلال الدين السيوطى.

وللحديث بقية.

رئيس حزب الوفد

زر الذهاب إلى الأعلى