نون لايت

المدير العام للإيسيسكو يبحث تأثير الإعلام على اللغة العربية

يشارك الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة -إيسيسكو-، ببحث في المؤتمر السنوي الرابع والثمانين لمجمع اللغة العربية في القاهرة، الذي افتتح أعماله أمس الإثنين.

وتناول الدكتور التويجري في البحث الذي وزّع في المؤتمر، (تـأثـيـرَ الإعلام على اللغة العربية)، وأبرز في بدايته أنّ واقع الحال يدلّ على أن اللغة العربية تعاني في عالمنا العربي من الضعف بشكل عام، بحكم تأثير الإعلام الذي أصبح أغلبُه عامِـلَ إفساد للّغة، وللأخلاق وللذوق العام، موضحاً أن مدار الأمر كله على طبيعة الإعلام، وعلى رسالته، وعلى اللغة التي يستخدمها، وعلى المعاني التي تنطوي عليها هذه اللغة، وعلى المفاهيم التي تعبر عنها، وليس على الإعلام في حد ذاته باعتباره وسيلةً لصناعة الرأي العام، ولتوجيه المجتمع، ولنشر الأخبار وللترفيه وللتوعية.

وبيَّــن أن من بين التأثيرات السلبية للإعلام على اللغة العربية، فـشـوّ الخطأ، والركاكة، والضحالة، والإسفاف، والهشاشة في التعبير، والانتشار المتزايد للعاميات المتعددة على حساب الفصحى، بحيث يختلط الخطأ بالصواب، فلا يعرف هذا من ذاك، مما يُحدث التشويشَ في الأذهان، فلا يفهم الناس في مشرق الوطن العربي ومغربه بعضهم بعضاً، فتضيع اللغة، وتقع القطيعة مع التـراث العربي الإسلامي، وتـجـفّ ينابيع الهوية الحضارية للمجتمعات العربية، بموجب القاعدة المطردة (ضعف اللغة من ضعف أهلها)، والعكس صحيح.

وقال إن انتشار اللغة العربية، سواء أكانت فصيحة كانت أم عامّية، في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي بهذا القدر من الاتساع والامتداد، يخدم اللغة ويسيء إليها في آن، مشيراً إلى أن التأثيرات الإيجابية للإعلام على اللغة العربية، كثيرة، ويأتي في صدارتها، وصولُ اللغة العربية إلى درجة العالمية، بفضل هذا الامتداد غير المحدود الذي وصلت إليه، فلم يسبق لهذه اللغة أن اتسع مداها الجغرافي على هذا النحو الذي لا نظير له، ثم يأتي ما نسميه تهذيب اللغة العربية، بحيث صارت طوعَ التكييف مع المستجدات في الحياة المعاصرة والتعامل مع ألفاظ العصر، ورهنَ إشارة الكاتب والمتحدث، لا تكاد تستعصي على التطويع واستخدامها في الصياغات الحديثة، فتمَّ لها الانفتاح على ثقافات العالم ولغاته، وهو الأمر الذي زاد من الإقبال على تعـلّـم اللغة العربية ترغيباً فيها، وشوقاًً إلى إجادتها وإتقانها، وسعياً للاطلاع على مصادر الثقافة العربية الإسلامية بها، فخرجت اللغة بذلك من الدوائر الضيقة المحدودة، إلى الفضاءات الواسعة الممتدة، فصارت لغة تتسم بقدر كبير من المرونة والسلاسة والرشاقة والجمال.

وذكر أن أثّـر اللغة العربية في بعض وسائل الإعلام وتجاوبها مع الطـفرة المعلوماتية التي تسود عالم اليوم، مصدر للغنى في البنيات، والتراكيب، والصياغات، والقدرة على التفاعل مع الحياة الجديدة، مما أكسب اللغةَ العربية عناصر التطور ومقوّمات التحديث، حين طوعت السلبيات إلى الإيجابيات، فانتقلت إلى المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة، حتى صارت لغة حيّة، مطواعة، مرنة، يخضع الإعلام الهادف لها ولا تخضع له.

وقال إن هذه المزاوجة بين السلبيات والإيجابيات أدت إلى اكتساب القدر الوافي من المناعة التي تحفظ اللغة العربية من الذوبان في لغات أخرى، كما حصل لغيرها من اللغات، إذْ على الرغم من عنف التأثير السلبي وترجيح كفته على التـأثير الإيجابي، فإن وسائل الإعلام، على تـنوعها، لم تُـفلح، ولن تُـفلح، في إقصاء اللغة العربية عن الحياة العامة وتهميشها وجعلها لغة فاقدة القيمة، وإنما انتهت هذه المزاوجة بين النقيضين إلى نـوع من الصلابة في البنية اللغوية، مما جعل العربية لغة التحدي الحضاري، بكل دلالات الكلمة، فأخفـق الإعلام في ممارسة تأثـيره السلبي، من حيث نجحت اللغة العربية في الحفاظ على ذاتـيـتها.

وأكد المدير العام للإيسيسكو العضو المراسل في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، أن اللغة العربية قادرة، سواء من حيث بنيتها المتعددة المصادر، أو من حيث غناها المتراكم عبر الأجيال، على أن تواجه جمع هذه الحالات، وتتعامل مع مختلف الظروف، في حالة إذا ما ارتقى أهلها إلى المستوى الذي يمكنهم من تطوير أوضاعهم، وتحسين أحوالهم، والتقدم في مضمار العلوم والتقانة والإدارة والمعلوميات، واستقامت أمورهم من النواحي كافة، السياسية، والاقتصادية، والإدارية، والتربوية، والثقافية، لأن اللغة تعكس صورة الحاضنة الاجتماعية التي تعيش وسطها، فاللغة قِـوام الشخصية الوطنية، ومرتكز الذاتية القومية، والقاعدة الصلبة للهوية الحضارية.

ولـفـت الدكتور التويجري إلى أن اللغة العربية ستظل واقعة تحت تأثير وسائل الإعلام خاضعة لضغوطها، مادام أهلها غافلين أو متكاسلين عن الارتقاء بها إلى المستوى الذي ينأى بها عن المخاطر التي تهددها، ولم تستوفِ شروط التفوّق على العاميات واللغات الأجنبية المزاحمة لها في استخدامات هجينة، التي تفسدها وتشوه صورتها، ولم تكتسب القدرةَ على التكيّف مع المتغيرات اللغوية، والمستجدات الحضارية، والتحولات الثقافية، وأضاف إلى هذه العوامل المؤثرة، (التطورات السياسية)، التي قال لابد من مراعاتها بوعي، والتجاوب الرشيد معها، والوقوف المتبصر على مصادرها، من أجل الخلاص من انعكاساتها على الفكر واللغة والثقافة والإبداع عموماً، وفي سبيل معالجة تأثيراتها القوية على اللسان العربي، وذلك بحكم أن اللغة تتأثـر بالأجواء العامة وبالتحولات الجارية في محيطها سلباً وإيجاباً.

وقال إنَّ اللغة هي حجر الأساس في العملية الإعلامية، على تعدّد قنواتها وتنوّع وسائلها واختلاف اللغات التي تستخدم فيها، وكلما كانت اللغة في وسائل الإعلام سليمة، محافظة على قوتها ونصاعتها، وافية بمتطلبات التعبير عن روح العصر، كان الإعلام ناجحاً في إيصال الرسائل إلى الجمهور العريض من المتلقين، فإذا فسدت اللغة الإعلامية، فسد بالتبعية الذوقُ العام، وفسد الفهمُ للأمور، وتعذر التواصل الذي يُضعف فيُـحدث الخللَ في العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والجماعات.

ودعا إلى أن تتلاءم عبارات اللغة الإعلامية مع طبيعة الأحداث التي يغطيها الإعلام، إذ أن أسلوب نقل المعلومة من مختبر البحث، يختلف عن رصد حشد من الناس، ويختلف عن وصف مأساة إنسانية، كما يختلف عن التعبير عن جدل فكري، موضحاً أن ذلك يمكّـننا من نعت اللغة الإعلامية بأنها لغة كل شيء، وحيث إن اللغة الإعلامية مسخرة للاضطلاع بتلك المهام كافة، فإن أدواتها التعبيرية والفنية ينبغي أن تستجيب لمقتضيات التنوّع، وتستجيب أيضاً، لخصوصيات الوسيلة الإعلامية.

وأشار إلى أن اللغة الإعلامية تتميز بخصائص شتى، فهي تختلف عن لغات العلوم والدراسات المتعمقة، لأنها تتجاوز مخاطبة الفئات المتخصصة إلى الجمهور الواسع ذي المستويات المتفاوتة، مستدركاً أن ذلك لا يمنع من الحرص على مراعاة القواعد اللغوية المصطلح عليها في الأداء الإعلامي العام، وعلى خصائص أخرى في الأسلوب، وهي البساطة، والإيجـاز، والوضوح، والتـأكد، والصحة، وهذه هي الموانع أمام وصول الفساد إلى اللغة عبر وسائل الإعلام.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى