نون والقلم

«الليبرالية» في الخليج

سألتْ زميلتنا المتألقة إيمان الحمود، مقدمة برنامج ساعة خليجية في إذاعة مونت كارلو، ضيفتها إيمان جوهر حياة (وهي أول خليجية تتزعم حزباً ليبرالياًََ في الكويت): لماذا التيارات الليبرالية من دون تنظيم أو تخطيط أو شعبية، سواء في الكويت أم الخليج، قياساً بنظيراتها الدينية؟ فأجابت الضيفة بقولها: «لأن فئات كثيرة في المجتمع تفهم الليبرالية بشكل خاطئ وتتخوف منها، فيما هي تدعو إلى العدالة والمساواة».

بعيداً عن الإجابة، لاحظت أن السيدة إيمان جوهر تجيب عن كل سؤال بسؤال، وهو ما يعتبر خطأ مهنياً، فليس من الضروري أن تتبنى إيمان الحمود الأسئلة بل هي تطرح نبض الشارع.

كمتابع أرى أن سؤال زميلتنا مهم، وأزعم أن عندي إجابة منطقية، وهي «أن الظروف المتاحة للتيارات الدينية في منطقة الخليج تساعدها وتدفعها من دون خوف أو حذر، فلديهم سلاح الدين يستخدمونه بكل ثقة». إبان الغزو السوفياتي لأفغانستان، الذي أعتبره من الأسباب التي أدت إلى نشوء الجهاد ثم الانقسام والانحراف به إلى الإرهاب وغيره، ظهرت الجماعات الإسلامية السياسية من خلال محاور عدة، فهناك المدارس والجامعات، إذ تغلغلوا سواءً من طريق المناهج أم المدرسين أم المكتبات أم الرحلات، وهناك المساجد والجوامع بحيث تحولت خطب الأئمة وحلقات الذكر إلى التركيز على موضوع أفغانستان والجهاد والحث عليه، كما أن هناك مراكز ومدارس تحفيظ القران التي وإن كان بعضها ذا هدف سامٍ، إلا أن الأفكار المتطرفة تغلغلت من خلالها إلى أذهان النشء، هذا التجييش أسهم به السياسي من خلال وسائل الإعلام، لكن أسبابه مختلفة، غير أن المحصلة النهائية كانت كارثية. كثير من الشباب والأطفال (على اعتبار أن من دون الـ18 هو طفل) سافروا إلى أفغانستان، والمأساة أن كثيراً منهم هرب بواسطة أولئك المتغلغلين في أماكن يستطيعون من خلالها تهريبهم من دون الحصول على موافقة أولياء أمورهم.

كانت هناك رحلات تسمى توعوية يتم فيها بث أفكار مسمومة لهؤلاء الشباب، والحجة عند سؤالهم أنهم يهيئونهم للجهاد في أفغانستان، ونحن نعرف أن جزءاً منهم عاد وهو قنبلة موقوتة، تحمل فايروساً حاقداً على الوطن، معرضة للانفجار في أي وقت.

بطبيعة الحال، أظن أن الصورة من سردي السابق هي للتوضيح أن كل الجماعات الإرهابية، التي نشأت في بلادنا كانت تمارس نشاطاتها علناً، فهي تتحدث باسم الإسلام ومن يجرؤ على إيقاف سيارة تحمل مشبوهين أو أسلحة عندما كان قائدها تبدو عليه «سيما» التدين المبالغ به أحياناً؟

ليس ذلك فحسب، ولكن منهم قد يرتكب بعض الجرائم، ويصدر ضده أحكام خفيفة، لأن من يقاضيه يفترض به حسن النية.

كل ذلك يعتبر أحلاماً في الخيال قياساً لما ستواجهه ما يسمى بالليبرالية، التي تم تشويهها من الإسلاميين ببراعة، وبالتالي فالجواب على سؤال إيمان الحمود هو أنه من البداهة أن يجابه الليبرالي بشتى أنواع العراقيل، سواء أكانت تحذيرية من الأساس أم عدم فهم أم غضباً أبوياً أو عائلياً، ناهيك عن مجتمع محافظ ينزعج من الجديد، فضلاً عن التيارات الدينية التي تحارب أية فكرة غير دينية حتى لو كانت هذه الفكرة لمصلحة الدين لا ضده.

هناك أمثلة كثيرة في العصور السابقة وفي الفترة الماضية عن اضطهادات أو عقوبات صدرت ضد كثيرين بتهم الإساءة إلى الدين أو التجديف أو الإلحاد أو غيره، بينما بالتدقيق فيها حال بعد حال سيكشف أن هنالك تحاملاً وظلماً وإرهاباً فكرياً ضد أصحابها.

ومع ذلك فإن الكويت على سبيل المثال بدأت تشق معبراً من خلال أحزابها الليبرالية، وهناك أصوات وصلت وانتخبت باسم الليبرالية والسبب لأن المجتمع هناك بدأ يميز ويتعرف على هذا التيار، وأدرك أن لا أجندة خارجية له ولا أيديولوجية تتجاوز الوطن.

المثير أن الكويت التي عادت بعد الغزو والاحتلال العراقي لها بصورة مختلفة وكأنما تبني ديموقراطية جديدة بينما كانت قبل الغزو واحة ديموقراطية لدرجة أن النظام العراقي آنذاك لم يجد كويتياً واحداً يقبل بالتعاون مع النظام العراقي أو أن يكون رئيساً للكويت بصفتها تابعة للعراق.

في المقابل، لا يتوانى الإسلاميون المسيسون أياً كانت طائفتهم عن التعلق برموز أخرى خارج أوطانها، ليس إعجاباً فقط، بل وتخاذلاً وانبطاحاً وأخشى أن أقول «عمالة».

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى