السيد زهره يكتب: رجلُ الدين حين يكون أداة هدم
في العراق، ثار جدل واسع في الفترة القليلة الماضية بعد أن أصدر مفتي الديار مهدي الصميدعي فتوى بعدم جواز الاحتفال بأعياد رأس السنة والكريسماس أو مشاركة المسيحيين هذه الاحتفالات.
العراقيون بمختلف طوائفهم أدانوا هذه الفتوى الشاذة، وأعربوا عن ذهولهم من أن تصدر في بلد مثل العراق.
وهو أمر مذهل فعلا. العراق بلد عانى أشد المعاناة من الصراعات الطائفية في السنوات الماضية بعد الغزو والاحتلال الأمريكي وفي ظل الحكومات الطائفية التي توالت على حكمه. وبغض النظر عن المواقف الحكومية الرسمية، فإن أبناء الشعب العراقي جميعا يكافحون من أجل الخروج من أسر الطائفية، ويأملون مرحلة جديدة يضمدون فيها الجراح الوطنية ويعيدون العراق إلى ما كان يعرف به دائما من تعايش بين كل الأديان والطوائف.
كيف يمكن إذن في ظل هذا الوضع أن يأتي رجل دين ويصدر مثل هذه الفتوى؟
جزء من تفسير ما أقدم عليه الصميدعي مفتي العراق ربما يكمن فيما كشفت المصادر الإعلامية العراقية عنه بعد هذه الفتوى. كشفت أن الصميدعي تربطه علاقات وثيقة مع الحرس الثوري الإيراني وقائده سليماني، إلى درجة أن كاتبا عراقيا قال إنه يعتبر «مفتي إيران» لا مفتي العراق. الأغرب من هذا ما اتضح من أن دار الإفتاء العراقية التي يرأسها الصميدعي سبق لها أن شكلت مليشيا مسلحة باسم «حركة المقاومة الإسلامية، أحرار العراق» بحجة محاربة داعش، وأن المليشيات الموالية لإيران هي التي قامت بتمويل مليشيا الإفتاء هذه.
إذن، الصميدعي يخدم مشروعا إيرانيا في العراق. وايران من مصلحتها أن يستمر الصراع الطائفي في العراق، وأن تستمر فرقة أبناء الشعب العراقي وتعتبر أن هذا أحد متطلبات قدرتها على الهيمنة على الساحة العراقية. في هذا السياق، يمكن فهم هذه الفتوى الشاذة.
لكن كما نعلم، الأمر لا يقتصر على العراق. في كل الدول العربية بلا استثناء يوجد رجال دين لا يترددون في التعبير عن هذه المواقف المتطرفة. نجد رجال دين يكفّرون المسيحيين مثلا ويحرّمون تهنئتهم بأعيادهم. ونجد أيضا رجال دين يحرّضون على أبناء الطوائف الأخرى بفتاواهم ومواقفهم المعلنة.
رجال الدين هؤلاء هم أدوات هدم للأوطان. هم تهديد لسلامة المجتمعات العربية واستقرارها. ويحدث هذا في وقت تواجه فيه الدول العربية مخططات لإثارة الفتن الدينية والطائفية وتقويض أمن مجتمعاتنا.
هي ظاهرة خطيرة. كيف نفسرها؟.. لماذا يتخذ رجال الدين هؤلاء مثل هذه المواقف الهدامة؟
الجواب يتمثل باختصار في أمرين:
الأول: الجمود والتخلف الفكري وإساءة فهم وتفسير الدين. رجال الدين هؤلاء يعتقدون في صحة فتاواهم ومواقفهم الهدامة هذه، ويؤمنون بها دينيا وفكريا.
والثاني: أن هؤلاء ينعدم لديهم الإحساس بالمسؤولية الوطنية. ليس لديهم أي وعي او إدراك لأوضاع دولنا ومجتمعانا وما تواجهه من أزمات ومشاكل طاحنة، وما يحتمه ذلك من مواقف تحمي الدول والمجتمعات وتحفظ سلامها وأمنها الاجتماعي والسياسي.
المهم أنه في كل الأحوال، فإن الدولة مطالبة بوضع حد حاسم للخطر الذي يمثله هؤلاء بفتاواهم ومواقفهم هذه.
والمطلوب هنا ببساطة أولا قوانين حازمة رادعة تجرّم بشكل حاسم مثل هذه المواقف التي تهدد الدولة والمجتمع.
والمطلوب أيضا أن كل من يهدد المجتمع على هذا النحو بمواقفه هذه يجب أن يحاسب وأن يقدم إلى المحاكمة بتهمة التحريض الطائفي والحضّ على الكراهية وتقويض الأمن والسلم الاجتماعي.
أيضا، لا يجب أبدا أن يفسح الإعلام المجال أمام هؤلاء لكي يعبروا عن هذه المواقف الهدامة.
لا يمكن أبدا أن يترك أمن وسلامة الدول والمجتمعات بيد متخلف، أو بيد من ينعدم لديه الإحساس بالمسؤولية الوطنية.
نقلا عن صحيفة اخبار الخليج البحرينية