نون والقلم

السيد زهره يكتب: تريدهم عملاء وخونة لأوطانهم

جملة واحدة قالها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي كانت كافية لأن تنقلب عليه إيران وتشن عليه حملة سياسة وإعلامية ضارية. كل ما قاله قبل أيام هو إن العراق سوف يلتزم بالعقوبات الأمريكية على إيران.

بالطبع، حين قال العبادي هذا كان في ذهنه أن هذا الموقف هو ما تحتمه المصلحة العراقية. هو يعلم إلى أي حد تتخذ إدارة الرئيس الأمريكي ترامب موقفا متشددا في مسألة تطبيق العقوبات على إيران حتى أنها في مواجهة سياسية مفتوحة مع حلفائها الأوروبيين أنفسهم بسبب هذه المسألة. وبالتالي، يعلم العبادي أن أي موقف آخر يشير إلى عدم الالتزام بالعقوبات يمكن أن يعرض العراق نفسه لإجراءات عقابية أمريكية.

بمجرد أن نطق العبادي بهذه العبارة انقلبت عليه الدنيا في طهران. شنوا عليه أعنف حملة سياسية وإعلامية، واعتبروا أنه خان العلاقات الاستراتيجية مع إيران، وتواطأ مع أمريكا، ووجهوا إليه مختلف صنوف التهديدات. ووصل الأمر إلى حد أن أحد المواقع الإيرانية اعتبر أن موقف العبادي بإعلانه الالتزام بتنفيذ العقوبات يشبه «موقف أصحاب الحسين الذين تركوه يواجه مصيره وحيدا في صحراء كربلاء». وتم إلغاء زيارة كان مقررا أن يقوم بها العبادي لطهران عقابا له.

ماذا يعني هذا الموقف الإيراني؟

معناه أن إيران تريد من رئيس الوزراء العراقي أن يضحي بمصالح بلاده أيًّا كانت في سبيل مصلحة إيران. يريدون منه، أن يكون خائنا لبلاده وأن يتصرف باعتبار أنه في خدمة إيران ومصالحها.

معروف أن هذا هو النهج الذي تتعامل به إيران مع كل الدول التي لها وجود فيها ومع كل القوى والجماعات التابعة لها في هذه الدول.

إيران تريد من هؤلاء أن يكونوا مجرد عملاء لها في كل وفي مطلق الأحوال من دون تفكير أو تردد. تريد منهم أن يكونوا خونة لبلادهم وأن يضحوا بها خدمة لإيران ومصالحها.

وهذا بالضبط هو ما يفعله عملاء إيران وأتباعها في العراق ولبنان وسوريا واليمن، وفي أي دولة أخرى. يعتبرون أنفسهم جنودا في خدمة إيران ومصالحها ومشروعها. وحين تتعارض مصالح دولهم مع المصالح الإيرانية لا يترددون لحظة واحدة في التضحية بمصالح بلادهم.

الأمر المؤسف أنه بعد أيام من الحملة الإيرانية الضارية، تراجع العبادي عن موقفه، أو حاول أن يتملص منه ويقدم تفسيرا جديدا لما قال.

لماذا فعل هذا؟ الجواب معروف. لأن إيران استطاعت أن ترسي لها قواعد قوية جدا في العراق من العملاء والتابعين لها. هي في الحقيقة قواعد للخيانة.

وقد كان ملفتا مثلا أنه بمجرد أن انقلبت إيران على العبادي وشنت عليه هذه الحملة، تسابقت كل القوى والجماعات الشيعية العميلة لها في العراق لتوجيه الانتقادات إليه، وشنت عليه أعنف الهجمات. هذا على الرغم من أن هذه الجماعات والقوى المفروض أنها عراقية، والمفروض أن تنحاز لما يخدم مصلحة العراق. لكنها تعلم أن هذه ليست وظيفتها. وظيفتها هي أن تكون خادمة لإيران في كل ومطلق الأحوال.

بعبارة أخرى، إيران لديها من القوة والنفوذ في العراق ما يمكنها من إجبار العبادي على التراجع عن موقفه. يحدث هذا على الرغم من أن الشعب العراقي نفسه أظهر -وبصور كثيرة- رغبته في إنهاء الوجود الإيراني في بلاده واتباع سياسات مستقلة حقا.

الحقيقة أن معركتنا مع النظام الإيراني على الساحة العربية معركة ضارية طويلة بغض النظر عن العقوبات الأمريكية وتأثيرها. وهي معركة تبدأ من المواجهة المباشرة مع القوى والجماعات العميلة لإيران في الدول العربية والقضاء على خطرها.

نقلا عن صحيفة أخبار الخليج البحرينية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى