نون والقلم

السيد زهره يكتب: أرقام مفزعة وأوضاع مأساوية

قرأت مؤخرا ملفا كبيرا يضم ثمانية موضوعات تحليلية كتبها خبراء ومحللون تناقش قضية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي، وتقيم تجارب وجهود الإصلاح الاقتصادي التي تتبعها بعض الدول.

قبل أي شيء، توقفت مطولا أمام أرقام مفزعة بكل معنى الكلمة تضمنها الملف وتلخص الوضع الاقتصادي في الدول العربية.

لنتأمل بعض هذه الأرقام.

بلغت نسبة البطالة في العالم العربي 10 بالمائة عام 2017، واكبر من هذا بكثير في بعض الدول، مقابل معدل عالمي يبلغ 5.5 بالمائة.

تصل نسبة البطالة في صفوف الشباب إلى 1, 26بالمائة ولدى النساء 18.9 بالمائة.

نسبة الهجرة في صفوف حملة شهادات التعليم العالي في الدول العربية هي من أعلى النسب في العالم، ونسبة البطالة في صفوف هؤلاء بلغت 30 بالمائة في عدد من الدول العربية.

تستورد البلدان العربية أكثر من 50 بالمائة من استهلاكها من القمح وتعتبر أكبر مستورد للسلع الغذائية في العالم. هذه التبعية الشديدة حيال الأسواق الدولية جعلت المنطقة رهينة التقلبات السريعة لأسعار المنتجات الزراعية والسلع الغذائية.

من أكثر المؤشرات المقلقة أن 11 دولة عربية مثقلة بديون فاقت نسبة 50 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2017، وفي بعض الدول وصلت هذه النسبة إلى أكثر من 100 بالمائة، وفي عدد من الدول بلغت نسبة خدمة الدين 40 بالمائة من نفقات الميزانية.

هذه كما ذكرت أرقام مفزعة ترسم صورة قاتمة لأوضاع مأساوية للاقتصاديات العربية.

المقالات التحليلية المطولة التي يتضمنها الملف تحاول تقديم تفسيرات لما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية العربية على هذا النحو.

أول وأكبر هذه التفسيرات أن الاقتصاديات العربية هي بشكل عام ريعية معتمدة على الريع، وليست إنتاجية، إذ إن معدلات الإنتاجية ضعيفة للغاية.

كثير من الدول العربية تعتمد إما على النفط والغاز، أو على أنواع أخرى من الريع مثل رسوم العبور في طرق التجارة الدولية، أو تحويلات العاملين في الخارج، أو على القروض والمساعدات الأجنبية.

وهناك بطبيعة الحال، بحسب هذه التحليلات، أسباب سياسية لها دور أساسي في أزمة الاقتصاديات العربية والحال الذي وصلت اليه. بعض دوائر الحكم في الدول العربية تفتقد الإحساس بالمسؤولية، ولا تتصرف بشكل رشيد. هذه الدوائر تسيء استخدام هذه الأموال الريعية، وحيث ينتشر الفساد والمحسوبية، وهدر الأموال العامة.

وفيما يتعلق بمشاريع الإصلاح الاقتصادي المطروحة في عديد من الدول العربية، تعتبر هذه التحليلات أن هذه الإصلاحات ما هي في حقيقة الأمر إلا عملية «إدارة للتبعية» على حد تعبيرها. الحادث هنا أن الدول العربية تنفذ السياسات التي يوصي بها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. والمشكلة الكبرى هنا أن هذه السياسات لا تولي اهتماما كبيرا للغالبية الساحقة من أبناء الشعب، أي للطبقات الفقيرة والمتوسطة.

وهكذا، فإن سياسات التحرير الاقتصادي والخصخصة والتقشف والتخلي عن القطاع العام التي توصي بها هذه المؤسسات الدولية تلقي بأعباء ثقيلة على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وتؤدي في نفس الوقت إلى صعود طبقة جديدة من المحاسيب وحتى الفاسدين، الذين يزدادون ثراء بينما تزداد الطبقات الفقيرة والمتوسطة فقرا ومعاناة.

وفي المحصلة النهائية، تعتبر هذه التحليلات أن هناك هوة شاسعة بين الإصلاحات المعلنة في الدول العربية، وبين الواقع على الأرض وما تخلفه هذه الإصلاحات من نتائج وآثار.

وتعتبر هذه التحليلات في النهاية بناء على الاعتبارات السابقة انه آن الأوان لفتح نقاش عام حول السياسات الاقتصادية المتبعة في الدول العربية، وحول نتائجها وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية، والتي تقود إلى التخلي عن الطبقات الفقيرة والمتوسطة، أي أغلبية الشعب تحت شعارات الإصلاح الاقتصادي.

والخلاصة أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية سيئة للغاية، ولا بد من إعادة نظر جذرية في السياسات المتبعة، يكون جوهرها إعطاء قضية العدل الاجتماعي وانصاف الطبقات الفقيرة والمتوسطة أولوية كبرى.

نقلا عن صحيفة اخبار الخليج البحرينية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى