اخترنا لكنون والقلم

الحب غير المشروط

عندما تحدثت يوماً عن الحب «غير المشروط»، تساقطت سهام التذمر؛ كيف يكون ذلك؟! على رغم أن الأصل هو الحب لكل شيء من حولنا، من دون المطالبة بالمقابل.

أخبار ذات صلة

الحب لا يختزل فقط في العلاقة بين الرجل والمرأة، بل هو أعمق وأكبر وأشمل، هو الحب لكل شيء موجود على هذه الأرض، ابتداء من حب الذات إلى حب الآخرين إلى حب كل شيء من حولنا، الوطن والشجر والطير والأرض، من دون انتظار المقابل، من يحب لكي يحصل على المقابل سيتعب وسينتهي به المطاف في الصفوف المتأخرة.

الحب دائماً صافٍ نقي يقدم نفسه من دون خوف. لذا، فمن يحب حقيقة لا يحتاج إلى المقابل أو الدليل على أن الآخرين يحبونه.

الحب يعيش من ذاته، لأنه هو النبع والأصل لا يحتاج إلى تعريف، لذا تجد أن الطفل يدركه بالفطرة، وحتى الحيوانات تعرفه من دون عناء، لكن للأسف أن من يجهله هو الإنسان، الذي قزم دور الحب كثيراً لكي يسوق بضاعته المادية، أو لتشغيل «الأنا» الخاصة به على حساب الحب، فظهر لدينا الحب المشروط بصور عدة، كالتملك والسيطرة والغيرة، وكل ذلك يبرره الإنسان أنه من أجل الحب. الحب لا يحتاج إلى تلك الصور والمقدمات، فهو يقدم نفسه إن حضر بتواضع شديد، يستشعر الإنسان الواعي الذي تخلص من البرمجة القديمة كالمنافسة والسيطرة.

الحب حضوره قوي، يلغي السلبيات ويبعد الكره والغضب، كما يلغي الخوف العدو الأول للإنسان. الحب أبوابه عدة، فهي متاحة للجميع، لكن لن يدركه إلا من كان مستعداً لذلك، من طهر قلبه من الأحقاد وردود الأفعال، وجعل جوفه محباً معطاء.

الحب يبدأ من محبة الإنسان نفسه وذاته، عندما يحترمها ويقبلها بكل عيوبها وإيجابياتها، من يعرف أن يحب ذاته يستطيع أن يحب الآخرين. كل شيء له انعكاس، فما يظهر في عالمنا الخارجي من أحداث هو رد فعل العالم الداخلي لدينا من الأفكار والاعتقادات. من يعرف الحب في نفسه يستطيع أن يتذوق الجمال في كل شيء أمامه، فعيونه لا تركز على السلبيات أو القصور، أو الدخول في متاهة الانتقادات وتصيد عيوب الآخرين، ستجده يرحم الآخرين ويحترم ضعفهم وجهلهم ولا يدخل معهم في صراعات «الأنا»، من يكون؟ وكيف يكون؟ بأي «أطر» أو آيديولوجية معينة؟ ستجد من يدرك الحب في قلبه متواضعاً مسالماً، يبرر للآخر ويتجاوز عن هفواته، ولكن بقدر طالما لم يمسسه ضرر، وإن اضطر إلى أن يحمي أو يدافع عن نفسه في بعض مواقف الحياة فحتماً سيكون عادلاً ومتوازناً، لا يظلم ولا يأخذ حق أحد عنوة، بل ستجده متحاوراً ومستمعاً جيداً، يعرف دوره ودور الآخر بحياد تام.

بعضهم يخلط بين الأنانية في النفس وحب النفس؛ الأنانية لا تعرف إلا نفسها على حساب الآخرين، أما الحب فهو يقدر ذاته جيداً ويعطي الآخرين حقهم في وجهات نظرهم، أو احترام قراراتهم من دون إصدار الأحكام.

مكثنا فترة ليست قصيرة نتغافل الحديث عن الحب وكأنه معيب أو ضعف، على رغم أن الحياة أساسها قائم على الحب والنيات الصادقة ومحبة كل شيء من حولنا وتقبل كل شيء، بل إن بعضنا يتجاهل التعبير عن الحب لأبنائه أو لشريكة عمره، معتقداً أن ذلك ضعفاً وأنه يمس رجولته، وبعض النساء تتغافل أيضاً عن التعبير في الحب لزوجها، معتقدة أن ذلك يضعفها ويهز شخصيتها، وكذلك بعض العلاقات الاجتماعية لا تفصح عن الحب، بل ربما تمارسه أفعالاً لكن لا تتحدث عنه.

الكل يقوم بأعمال الحب من تقديم التضحية والمساندة والتعاون، لكننا لا نتلفظ به، وإن تلفظنا به خجلنا وكأنه شيء جديد علينا، على رغم أن الحب موجود من البدايات، فهو فطري في الإنسان، فما أحوجنا إلى أن نستمع إلى كلمات جميلة تعبر عن الوجدان من قريب أو صديق، وأن نغير المفهوم بضعف الحب وكأنه شيء ينقص من شخصياتنا ومكانتنا، فنحن بشر خليط من المشاعر والوجدان، يطرب الفرد بكل تلك المفردات، حينما تغرد لحن الحب نتذوق صفاء النفس وراحة البال، ونستمتع بجمال القلب، فهل بادرنا لكل من نحب بأن نعبر لهم اليوم بصدق العبارات عن أننا نحبهم سواء أكانوا أبناءنا أم أحبابنا.

 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى