نون – مراكش – بقلم: يوسف بن مير ومانون بوربيدج
يستعدّ شهر دجنبر / كانون الأول 2018 أن يصبج شهراً محورياً للهجرة على المسرح العالمي ومركز الحدث هنا، في مراكش، المغرب، مع وجود منتديين رفيعي المستوى يتعلقان بالتنمية والهجرة. ومع ذلك، ولكي تكون المناقشات التي تجري في هذين المؤتمرين ذات تأثير على حياة الناس العاديين، يجب استخدام النتائج والإتفاقيات المبرمة كمحفز للحكومات والمنظمات المعنية لمعالجة العوامل الجوهرية للهجرة، بما في ذلك الفقر في المناطق القروية والافتقار إلى القدرة والفرص الإقتصادية وتغير المناخ. ومن أجل وضع هذه الأمور في الممارسة العملية، فإننا نقدّم خبراتنا فيما يتعلّق بطريقة تنموية تشاركية كبديل إنساني للهجرة.
أولاً، عُقد المنتدى العالمي للهجرة والتنمية (GFMD) في الفترة ما بين 5 إلى 7 دجنبر/ كانون الاول على أساس موضوع «الوفاء بالإلتزامات الدولية بإطلاق العنان لإمكانيات وقدرات جميع المهاجرين من أجل التنمية»، القمة الحادية عشرة للمنتدى هي أكبر منصة للحوار بين أصحاب المصلحة المتعددين فيما يتعلق بالهجرة والتنمية، ممثلين صانعي السياسة الحكومية، ومراقبي المنتدى العالمي للهجرة والتنمية(GFMD) وأعضاء المجتمع المدني والقطاع الخاص، وعلى الرغم من أن إجراءات المنتدى غير ملزمة وطوعية، إلا أنه كان يؤمل أن يضع هذا المؤتمر أسس الميثاق العالمي الأول للهجرة (من أجل هجرة آمنة ومنظمة ومنتظمة) الذي عقد أيضا ً في الفترة من 10 إلى 11 دجنبر في مراكش.
هذا المنتدى السياسي الرفيع المستوى الذي تقوده الأمم المتحدة هو أول ميثاق من نوعه لمعالجة الهجرة، يهدف إلى تحسين إدارة وتعاون الدول فيما يتعلق بحركة الشعوب عبر الحدود، وقد تم الآن تبنّيه رسميا وتوقيعه من قبل أعضاء الأمم المتحدة على الرغم من أنه اثبت بأنه مثير للجدل على المستوى الدولي مع أكثر من 30 دولة من الذين عملوا في مسودة الوثيقة رفضت التوقيع، الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل والنمسا وأستراليا وإسرائيل هي من بين الدول التي امتنعت عن التوقيع بسبب المخاوف من تضاؤل السيادة وزيادة معدلات الهجرة، ومع ذلك فإن هذه الاتفاقية توفر مبدئيّا ً للدول إطارا ً أفضل للتعامل مع القضايا المتعلقة بالهجرة وكذلك معالجة الأسباب الرئيسية، مثل الافتقار للوصول إلى سبل العيش المستدامة والتداعيات الاجتماعية- الاقتصادية والبيئية للهجرة على البلدان الأصليّة التي ينطلق منها المهاجرون والبلدان المضيفة لهم، هذا بالإضافة إلى العمل على تعزيز قيمة وتأثير المهاجرين على التنمية المستدامة.
وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن تحقيق هذا الهدف بدون إدراك العاصفة المتنامية التي تواجه البشرية، ألا وهي: تغير المناخ. إن تغير المناخ والتنمية والهجرة جزء من رباط قويّ لا ينفصم. وتشير مؤسسة العدالة البيئية إلى أن ما يصل إلى 10% من سكان العالم قد يتعرضون لخطر النزوح القسري بسبب مخاطر الظروف المناخية بحلول عام 2050. وفي المنتدى العالمي للهجرة والتنمية (GFMD) سلطت المؤسسة الأوروبية للبحوث الطبية ( Euro MedA Foundation) التي استضافت نشاطا ً جانبيّا ً بعنوان:«نهج أوروبي إفريقي للهجرة» (A Euro-African Approach to Migration) ، الضوء على القضايا الرئيسية التي تواجه إفريقيا وأهمها التصحّر والجفاف وانعدام الأمن الغذائي، وهذه مخاطر من شأنها فقط أن تتفاقم. ويمكن لتغير المناخ أيضاً أن يضاعف من تواجده، أو أن يخلق أزمات سياسية واقتصادية جديدة في البلدان المعرضة للخطر وأن يدفع موجات الهجرة بشكل أكبر مع وجود احتمال واضح لقلب خطط «الهجرة الآمنة المنظمة والمنتظمة» رأساً على عقب.
وإدراكا ً لهذه المشكلة التي تلوح في الأفق، يوضح ما يلي إستراتيجية التنمية التشاركية التي تعالج الأمن الاقتصادي والاعتبارات المناخية بالنسبة إلى أولئك الأكثر ضعفا ًوبذلك يخفّض من احتمال الهجرة الضرورية في المستقبل. ويتميز المغرب في الوقت نفسه كونه بلد عبور أخير للمهاجرين الوافدين من الصحراء الإفريقية فضلاً عن كونه بلد مهاجرين إلى أوروبا وأمريكا الشمالية والشرق الأوسط. وفي ظل التوقعات الحالية يُعتقد أن يكون المغرب على خط المواجهة لتغير المناخ مُثخن بأزمات وتداعيات الأمن الغذائي والجفاف والتصحّر والفيضانات المفاجئة الكارثية في المناطق الجبلية التي تعاني من تآكل التربة، وكلها ستتفاقم بسبب الميول المستمرة في ارتفاع درجات الحرارة فيما يُعرف بالاحتباس الحراري.
وفي الغالب، في حالة المغرب كما في أي مكان آخر، سيكون هناك – أثناء المناقشات المستندة إلى المجتمعات المحلية التي تتناول مشاريع التنمية الاقتصادية-الاجتماعية في المناطق ذات المستويات العالية من الهجرة – مساهمات لمشاركين محليين يدعون بشدة للبقاء في مجتمعاتهم المحلية إذا كان هناك فقط فرص أساسية. وفي الواقع يفضل العديد من المهاجرين ألا يكونوا مهاجرين ويفضّلون بدلاً من ذلك التنمية المستدامة لمجتمعاتهم الأصلية. إن إشراك أعضاء المجتمع المحلي في عمليات صنع القرار يعكس الرؤى السياقية الرئيسية للمبادرات ذات الأولوية التي ستحسّن من رفاهية مجتمعاتهم المحلية: فهذه حيوية جدا ً وقابلة للتنفيذ لأن المشاريع تتوافق مع احتياجاتهم المحددة من طرفهم، ولذا فهي في الغالب تكون مستدامة.
وعلى سبيل المثال، من أجل خلق فرص عمل ونشاط اقتصادي في المجتمعات القروية المهمشة التي تشهد هجرة ملحوظة، يمكن باستثمار 100000 دولار تأسيس تعاونية نسائية مكونة من حوالي 50 عضواً للزراعة أو تصنيع الأغذية أو الحرف اليدوية. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تحقيق زيادة بنسبة 50% في الدخل الأسري، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى فوائد يستفيد منها 300-350 شخصًا إضافيًا من خلال تحسين البنية التحتيّة للتعليم المدرسي والرعاية الصحية والصرف الصحي. وتبلغ تكلفة أنظمة مياه الشرب النظيفة لخدمة إحدى الجماعات في المنطقة 350.000 دولار وهذه تحسن بشكل كبير ليس فقط الجفاف ومشاركة الفتيات في التعليم بل تخفّض أيضا ً من حالات الأمراض المنقولة عن طريق المياه ووفيات الأطفال.
علاوة على ذلك، في المغرب، كما هو في العديد من دول إفريقيا، تستطيع تقريبا كل أنواع الفاكهة المتوطنة وأشجار الجوز أن تنمو بشكل ٍ بيولوجي إذا توفّرت فقط الاستثمارات في الشهادات والمشاتل والبناء التعاوني. يمكن استخدام مزارع الأشجار لأغراض متعددة، بما في ذلك استخدامها لضفاف الأنهر لمحاربة تآكل التربة وتحسين التنوع البيولوجي المحلي وتنويع مصادر الدّخل التقليدية ومبادرات تكاثر الكربون التي يمكن أن تكون حيوية للاستدامة طويلة الأجل. وبهذا المفهوم، يمكن أن يُستفاد من التنمية البشرية والمشاريع الاقتصادية والاستثمارات لخلق التزامات أو تعهدات من المجتمعات المحلية من اجل تنفيذ مبادرات أخرى تكون مفيدة لحماية بيئاتهم المحلية وأيضًا للتخفيف من حدة المناخ العالمي.
ولكي يستطيع المهاجرون المحتملون من البقاء في مجتمعاتهم المحلية، يجب وضع سلسلة ثتمين القيمة الزراعية من المشتل إلى السوق وضرورة إنشاء البنية التحتية الداعمة. إن جذور الفقر في المناطق القروية التي تحفّز في نهاية المطاف الهجرة هي في اختناقات لا تقاوم في كل خطوة من سلسلة القيمة وبطء عملية صنع القرارات وفي نهاية المطاف مناخ احتباس حراري. ومع الأخذ بعين الاعتبار الفرص الكبيرة التي تتم مناقشتها في المؤتمرات الدولية، إذا تم تطبيقها على مستوى المجتمعات المحلية، خاصة فيما يتعلّق على سبيل المثال بالقيمة المضافة من الشهادات المنتوج البيولوجي ومنح التراخيص الخاصة بائتمان الكربون، لا حاجة حينئذ ٍ أن يستمرّ الفقر في المناطق القروية. وطالما بقي الوضع كما هو، وإذا لم يتم دمج المناخ والتكيف مع نموذج تطور وتنمية الهجرة، فإن «الهجرة المنظمة والآمنة والمنتظمة» التي أشاد بها المنتدى العالمي و«المنتدى السياسي الدولي عالي المستوى للتنمية المستدامة» (HLPF) لن تتحقّق أبدا ً.