انخفاض أسعار النفط عالمياً، صار ضربة قاسية لاقتصاديات دول الخليج المنتجة والمصدرة له، إذ اضطرت إلى تغيير عدد من سياساتها الاقتصادية؛ نحو استثمار الفوائض المالية التي جنتها خلال السنوات السابقة، لتعويض الخسائر التي تكبدتها خلال الأشهر الثمانية الماضية، من جراء تراجع الأسعار.
وتتفاوت شدة تأثر دول الخليج العربي بحسب درجة اعتماد كل دولة على النفط، فالأثر البالغ في هذا التراجع بدا أكثر وضوحاً لدى البحرين التي تعتمد إلى حدّ كبير على عائدات النفط لتأمين الخدمات لمواطنيها.
ويشكّل تراجع أسعار النفط من 115 دولاراً للبرميل الواحد، إلى ما دون 50 دولاراً، في الأشهر الأخيرة، تحدّياً بالنسبة لها، في وقت يكافح مسؤولو هذا البلد لإيجاد مصادر بديلة للعائدات خارج قطاع النفط الذي يمثّل الجزء الأكبر من إجماليّ إيرادات المنامة.
وتشكل العائدات النفطية لدول مجلس التعاون الخليجي 46% من الناتج المحلي الإجمالي، ومن ثم فإن التراجع من شأنه أن يسبب ضغوطاً اقتصادية كبيرة على هذه الدول.
وقد برزت هشاشة البحرين أمام تراجع أسعار النفط عندما خفّضت وكالة “ستاندرد آند بورز” تصنيفها خلال العام الحالي، من BBB/A-2، إلى BBB-/A-3، مع نظرة مستقبلية سلبية للمملكة، وجاء ذلك عقب موجة الهبوط التي تعرضت لها أسعار النفط منذ يونيو/ حزيران 2014.
* تحديات الانخفاض
وستواجه مملكة البحرين تحديات صعبة إذا ما هبط متوسط سعر النفط عن 50 دولاراً للبرميل، وبالتحديد عند 45 دولاراً، إذ إن الإيرادات عند هذا السعر لن تكون كافية لتغطية بند رواتب الموظفين والعاملين في القطاع الحكومي.
ويقول خبراء إن البحرين تحتاج إلى سعر 120 دولاراً للبرميل لإحداث توازن بين المصروفات والإيرادات في الموازنة العامة، وإن هبوط السعر إلى ما دون 50 دولاراً يحدث فجوة هائلة، وعجزاً كبيراً في الموازنة، وخصوصاً أن موازنة الحكومة تعتمد بنسبة 85% على الإيرادات النفطية.
وتنتج مملكة البحرين نحو 200 ألف برميل يومياً من النفط الخام، منها 150 ألف برميل حصة البحرين من حقل أبوسعفة المشترك مع السعودية، ونحو 50 ألف برميل من حقل البحرين.
وفي أسوأ الأحوال، وبحسب السيناريو الذي يفترض متوسط سعر النفط عند 45 دولاراً للبرميل، فإن إيرادات البحرين من النفط ستبلغ 1.2 مليار دينار، في حين أن مصروفات القوى العاملة تبلغ أكثر من 1.3 مليار دينار، أي إن الإيرادات النفطية غير كافية لتغطية بند الرواتب.
واستدعى هذا التدهور في أسعار النفط، إصدار أمر ملكي بحريني بتشكيل “حكومة مصغرة” داخل الحكومة، تختص بحل المشكلات المالية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط، والتي تعتمد عليها البحرين بشكل كبير في دعم الخزينة العامة وتمويل المشاريع الحكومية.
وتملك البحرين احتياطات نفطية ومالية أقل بكثير من جيرانها الخليجيين، وبدأت تتخذ عدة خطوات لمواجهة تراجع عائدات النفط، حيث ينتظر أن تبدأ في أكتوبر/تشرين الأول المقبل رفع الدعم عن بعض المواد الغذائية “اللحوم”، وسيتبع هذا قرارات تتعلق برفع الدعم عن المشتقات النفطية التي تكلف الخزينة البحرينية نحو 3.2 مليار دولار (1.2 مليار دينار).
وتتوقع الموازنة العامة التي أقرت في يوليو/تموز عجزاً قدره 1.50 مليار دينار (أربعة مليارات دولار) في 2015 ارتفاعاً من عجز كان مخططاً له في الأصل عند 914 مليون دينار العام الماضي. (الدولار = 0.3772 دينار بحريني).
* خيارات محدودة
ويرى خبراء اقتصاديون أن الخيارات أمام حكومة البحرين محدودة، إما أن تضاعف حجم الاقتراض لتسديد الرواتب وسد عجز الموازنة، ومن ثم تضاعف حجم الدين العام على مصروفات متكررة غير منتجة تزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي، أو خيار فرض ضرائب، وهو صعب في الوقت الحاضر بسبب الوضع المعيشي للمواطنين، إلى جانب الأوضاع السياسية التي تعيشها البلاد، وانعكاساتها الأمنية والاقتصادية.
وكان متوسط أسعار النفط الخام البحريني والمستخرج من حقل أبوسعفة خلال العام 2014 استمر فوق سعر 100 دولار للبرميل من يناير/ كانون الثاني حتى أغسطس/ آب، ثم هبط المتوسط إلى 95 دولاراً في سبتمبر/ أيلول، وتدرج في الانحدار في أكتوبر/ تشرين الأول إلى 85 دولاراً، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 75 دولاراً، والتأرجح في ديسمبر/ كانون الأول بين 57 و65 دولاراً للبرميل.
وفي التاسع من سبتمبر/أيلول الحالي، قال حافظ غانم، نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الثلاثاء: إن “دول الخليج كانت الأكثر تأثراً في ظل اعتمادها الكبير على الخام لتمويل موازنتها، بينما هناك دول أخرى ستستفيد من هذه التراجعات مثل مصر؛ لكونها مستوردة وليست مصدرة”.
وقال تقرير بعنوان: “آفاق الاقتصاد العربي”، صادر عن صندوق النقد العربي، في 16 سبتمبر/أيلول الحالي، إنه من المتوقع أن يتأثر الاقتصاد البحريني عامي 2015 و2016 بالتقلبات في أسعار النفط العالمية.
وذكر التقرير أن تقلبات الأسعار ستؤدي لانخفاض مستويات الصادرات النفطية وتخفيض النفقات الحكومية؛ نظراً لتبني سياسات تحفظية فيما يخص الإنفاق العام للحفاظ على الانضباط المالي.
– خسائر دول الخليج
تقدر المصادر الخليجية أن دول الخليج خسرت خلال الأشهر الستة من العام الماضي 2014 نصف عائداتها المالية، مقارنة بعام 2013، البالغة 740 مليار دولار، وكشف البنك الدولي في تقرير له أن دول مجلس التعاون الخليجي ستخسر نحو 215 مليار دولار من العائدات النفطية خلال ستة أشهر، في حال استمرار أسعار النفط حول 50 دولاراً للبرميل، أي أكثر من 14% من إجمالي ناتجها المحلي الإجمالي مجتمعة.
وقدر صندوق النقد الدولي خسائر الدول الخليجية النفطية بأكثر من 280 مليار دولار في صادرات النفط خلال عام 2015 إذا بقي سعر البرميل 60 دولاراً.