عندما أجرت إيران اختبارها الصاروخي الباليستي في 29 كانون الثاني، كانت تختبر أيضاً عزيمة الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب، الا أنها لم تكن على الأرجح تتوقع هذا التصعيد الواسع منه، مع انه أثبت في أقل من أسبوعين استعداده للوفاء بتعهدات انتخابية متهورة، أياً تكن تبعاتها على أميركا والعالم.
تسرعت طهران في استفزاز رئيس لم يحسب حساباً لحلفاء بلاده، ولن يقيم أي اعتبار لخصومها بطبيعة الحال. عروضها الصاروخية وتحرشاتها البحرية التي كانت تمر بلا حساب، لن تفلت من رادارات ترامب بعد الان.
ليست إيران مشكلة هذه الادارة الاميركية تحديداً، فهي معضلة الادارات الاميركية المتعاقبة منذ عهد الرئيس جيمي كارتر الذي أمر عام 1980 بقطع العلاقات الديبلوماسية مع طهران بعد أزمة اقتحام السفارة الأميركية ونهبها وأسر موظفيها.
ففي ما عدا الانفراج الأخير بين طهران وإدارة أوباما التي كانت حريصة على الاتفاق النووي ومستعدة للتغاضي عما هو أكثر من تجربة صاروخية لحمايته، شابت العلاقات بين الجانبين أزمات كبيرة، بدءاً بأزمة الرهائن و«إيران كونترا» مروراً بتعزيز بيل كلينتون الحظر التجاري عليها واتهامها بدعم الإرهاب الدولي، وصولاً الى ادراج جورج بوش الابن اياها ضمن «محور الشر» مع العراق وكوريا الشمالية، وتعزيز أوباما العقوبات عليها ومنع الاستثمار فيها.
وكما أنها ليست المرة الاولى تجري ايران اختباراً صاروخياً متحدية أميركا والعالم، فانها ليست المرة الاولى تفرض واشنطن عقوبات عليها. لكن الأزمة الاخيرة تكتسب جديتها من شخصية الرئيس الاميركي الجديد والفريق المحيط به. فترامب نفسه وصل الى البيت الابيض حاملاً لواء العداء لايران والاتفاق النووي. وليس مسشتاره للأمن القومي مايكل فلين أقل تسامحاً في هذا المجال. ففي رأيه ان ايران تشكل خطراً لا على المنطقة فحسب، وإنما على العالم أيضاً. أما وزير الدفاع الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس فلا يفوت مناسبة للتذكير بدور طهران في تفجير ثكن المارينز في لبنان في ثمانينات القرن الماضي ودعمها الميليشيات الشيعية في العراق.
الواضح أن فريقاً كهذا لن يسلك طريق المهادنة التي اعتمدها أوباما حيال ايران. إلا أن طهران بدورها، وخصوصاً المتشددين الذين لم يهادنوا أميركا في ذروة المفاوضات النووية، لن يتوانوا عن التصعيد. وليس كلام المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي اليوم الا مؤشراً في هذا الاتجاه.
كل المؤشرات تدل على أن المنطقة تتجه الى أزمة مفتوحة بين ترامب وإيران تقلق أوروبا التي بدأت توطد علاقاتها التجارية مع الجمهورية الاسلامية وتحرج موسكو الطامحة الى صفحة جديدة مع ترامب. أما العرب المرحبين بنهج أميركي جديد في التعامل مع الاستفزازات الايرانية، فلن يكونوا مرتاحين تماماً مع عودة التوتر الايراني – الأميركي الى فنائهم.