أميرة عزت تكتب: المدينة الشفافة
منذ أن وطأت قدماي، مدينة خضراء ذات مساحات شاسعة، ظللت أجري فيها فرحا، تماما مثل مشهد «ربانزال» أميرة ديزني «بطلة فيلم الكارتون الشهير»، حينما خرجت لأول مرة خارج البرج الحصين، وكيف كانت ترقص فرحا في الشوارع منبهره بالمارة من الناس والشوارع وكل ما يحيط بها .
تماما حدث نفس المشهد، عندما وجدت نفسي داخل برلين عاصمة ألمانيا، تلك المدينة السياحية المليئة بالشوارع النظيفة الهادئة، والمحلات التجارية والفنادق والمعالم السياحية الفخمة، ظللت اتنقل بين شوارعها في حالة من الفرح والبهجة، انظر كل شيء حولي وأتمعن به، فالكل جديد بالنسبة لي ومبهر.
لأول مرة أري نظام يلتزم به الناس من تلقاء أنفاسهم، في برلين لم يوجد عسكري مرور واحد، بينما الكل يلتزم بالقواعد، حيث ينقسم الطريق لثلاث أنواع طريق للسيارات وطريق لسير الدراجات وطريق للمارة من الناس، عندما تضيء الإشارة الحمراء تتحرك السيارات والدراجات في طريقها، وعندما تضيء الإشارة الخضراء يتحرك المواطنين ويعبرون الطريق في أمان.
إذ ما أخطأ شخص وسار في طريق بأحد الطرق المحدد للسيارات أو الدراجات، لن تتوقف وسائل النقل فهي تسير في وضعها الصحيح من يخالف ذلك هو المخطئ.
وفي وسط الطريق يوجد الترام، له شكل مميز وفخم جدا، وفوقه يسير المترو، الذي اصطحبني إليه أحد الأصدقاء المقيمين ببرلين، حيث تحصل على تذكرة المترو من خلال كارت ممغنط، فلا يوجد شباك تذاكر، بينما تحصل على التذكرة من ماكينة إلكترونية، والتذكرة لها مدة ساعتين يستطيع المواطن خلالها استقلال أي وسيلة مواصلات في برلين بذات التذكرة .
ثم أخذني صديقي في جولة سريعة داخل برلين جعلتني أزداد انبهار أكثر، من أول المواطنين الذين يسيرون في الشارع، فالكل يسير بالدراجات كبار في السن أو شباب، وكيف يسير كل شخص لم ينظر لمن حوله، فهناك مهما فعلت لن تجد شخص ينظر إليك، الجميع منشغل بحاله فقط .
حتى انبهر بالمباني الضخمة الفخمة ذات التصميم المعماري الرائع فبدأت جولتنا من أمام نافورة «الكسندر بلاتز» والتي تشع بهجة من منظر المياه المنحدرة منها وفي واسطها تماثيل وعلى جانبيها تماثيل تنتشر منهما المياه بشكل رائع وحولها لوحات فنية غاية في الرواعة والمعني.
ثم انتقلنا نحو كنيسة «سانت مارين»، وهي الأخرى لا تقل جمالا عن ما رأيته بالشوارع، فتمتلك الكثير من التماثيل والأيقونات الفخمة، ولكن الأهم والمتميز فيها كمية الهدوء التي تهيمن على المكان، حتى أنني لم استطيع التحدث بمستوي الصوت الطبيعي، فما كان لي غير أن أهمس في أذن صديقي كلما أردت أن أسأل عن شيء داخلها، فالجميع يزور ويصلي دون إصدار همسات حتى.
ومن أمامها مرينا مرورا على عدة أماكن بشكل سريع هما المتحف التاريخي، وكاتدرائية «دوم برلين»، ودار الأوبرا ذات الطراز المعماري المميز التي يعلوها تماثيل موسيقية تميزها، وجامعة «هومبولدت» والتي لا تقل فخامة في طرازها، حيث أنني اختلط عليا الأمر بينها وبين دار الأوبرا، فتعلوها هي الأخري التماثيل المميزة فوق مبانيها.
وكان الأكثر تميزا بالنسبة لي أو أكثر غرابة بالأحرى، هو متحف له اسم غريب، يدعي «متحف الحزن» عبارة عن مبني بداخلة تمثل لامرأة حزينة تم انشائه تخليدا لذكري شهداء الحروب، وقتها كان ليا مزحة القيتها وهي أن الألمان لم يوجد أسباب معيشية تستعدي الحزن، فأنشأوا ذلك المبني ليتذكروا .
الحياة هناك أكثر بساطة وسهولة، فهم يستيقظون في الساعة السادسة صباحا تجد الجميع يهرول للذهاب إلي عمله، وفي تمام الساعة الثامنة تغلق جميع المحالات والمولات التجارية، وفي ساعات الليل تجدهم يلهون في الكافيهات والمطاعم، لتجد في ذلك الوقت شباب يعرضون موهبتهم الموسيقية والعزف والغناء بالشارع، مقابل وضع إناء يضع به المتفرجون نقود، وهؤلاء يصنعونا البهجة في الشوارع .
كل شيء مبهر وجميل هناك، حتى أن الحمام العمومي هناك تحفة معمارية في الشارع يدخله أي مواطن مقابل نقود مالية ولكن صمم ليكون على أعلى مستوي يناسب استعمال البني أدم الذي يعد أرقي مخلوقات الله، وحتى الأكشاك العادية صممت أيضا بشكل فاخر، لننتقل بعد ذلك إلى مبني البرلمان الألماني يمتاز بأنه وجهاته كلها زجاجية شفافة.
وقد أخبرني صديقي أن الألمان يخصصوا يوما محددا في الأسبوع يستطيع أي شخص زيارة أي مكان قيادي والتعرف على القوانين وكل شيء يريد معرفته، أيضا من حق أي شخص حضور جلسات البرلمان ولكن بمعاد محدد، وينطبق هذا الكلام على المركز الصحفي الألماني الذي صمم أيضا بوجهات زجاجية .
المباني هناك معظمها زجاجية شفافة، مكشوفة، حيث أدركت أن من أهم أسباب تقدم تلك الأمم هو اهتمام كل شخص بحالة فقط، فيعمل علي نفسة ويجتهد وينجح، وينعكس ذلك بالطبع علي المجتمع ليصبح المجتمع متقدم.
أيضا هناك تعم المحبة، ففي الشوارع تجد الكل يظهر محبته للأخر دون خجل أو خوف، فالشباب يقبلون الفتيات بمظهر فيه لمسات حب وليست مجرد رغبة فقط كما كنا نسمع، ومن خلال تعاملاتي معهم هم شعب متعاون جدا، فكنا أنا و أصدقائي حينما نضل بالطرق ونستوقف شخص حتى نسأله عن مكان ما، كان إذ لم يعرف الطريق، نجده يفتح جوجل ويبحث عن المكان ليساعدنا بشكل صحيح، يأخذ من وقته ويقف حتى يساعدنا على الرغم أنهم يعرفون قيمة الوقت جيدا ويقدرونه ولا يضعون دقيقة واحدة في أي شيء غير مفيد، ولكنهم كانوا متعاونين جدا .
أخيرًا، وجدت اهتمامًا بالغًا من كل قيادات الدولة الألمانية التي حرصت على حضور احتفالية مرور عشرين عامًا على إنشاء الجامعة الألمانية بالقاهرة داخل جمهورية مصر العربية، وكم هما سعداء بهذا السرح العلمي الذي يوجد خارج حدود ألمانيا بل ويسعون دائما لتقديم كافة الدعم .
للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية