أسعد الجوراني يكتب: الإقرار في الأنساب وطرق التشديد في إثبات النسب البعيد
ذكر علماء الأنساب عدة طرق لإثبات النسب والبحث سيكون حول الإقرار أو الالحاق في المفهوم الشرعي والقانوني والنسبي.
وقبل بيان هذا الوجه لابد من التنبيه على خطأ كبير يقع فيه كثير من ادعياء العلم بالأنساب. حيث إنهم يعتمدون على الإقرار في إثبات النسب وذلك بأن القبيلة التي تقر بانتسابها إلى نسب معين – كالانتساب أو النسب العلوي كما هو رائج في هذه الأيام – فإن من أقر لنفسه بذلك لابد أن يصدق ويصادق على صحة نسبه لماذا؟! لأن إقرار العاقل على نفسه جائز. هذا مبناهم !!!!
وهذا وهم كبير وقع فيه هؤلاء صحيح إن قدماء أعلام النسب ذكروا أن الإقرار من مثبتات النسب ونحن نسلم بأن إقرار العاقل على نفسه جائز وهو حجة شرعا في إثبات ما أقر به المقر. لكن هل هذا المورد داخل في موضوعنا؟؟؟
إذا أقر الأب بالابن، أو الجد بالحفيد، أو العم بابن أخيه، أو الأخ بأخيه، أو القريب بأقربائه، فإن هذا يثبت نسب المُقَر له أو به.
وليس للمقر (بكسر القاف) نفيه بعد ذلك. إذ أن إقرار العاقل على نفسه جائز وهو حجة فيجب أن يلحق بقول أبيه أو عشيرته، وهذا ما نقول به، ولكن أين هذا مما يذهب له بعض المعاصرين ممن يدعي العلم بالنسب أو الأنساب؟؟؟ إن هؤلاء لم يفرقوا بين إقرار العاقل على نفسه، وإقرار العاقل لنفسه. وأيهما حجة وأيهما ليس كذلك.
فلوا أقر إنـسان بأن في ذمـتـه مال لآخر ثبت المال للآخر لأنه أقر على نفسه وإقرار العاقل على نفسه حجة.
أما لو أقر إنسان بأن له مال في ذمة الأخر فلا يثبت المال بمجرد هذه الدعوى لأنه أقر لنفسه لا على نفسه، لو فتح هذا الباب فكل من يعجبه شيء عند الأخر يقر به لنفسه ويأخذه؟!!!
ثم إن هذا لا يسمى إقرار وإنما هو دعوى والدعوى لا تقبل إلا إذا كان لدى المدعي دليل معتبر .
الإقرار أو الالحاق في المفهوم الشرعي والقانوني والنسبي
الإقرار بالمعنى الشرعي: أخبار عن ثبوت حق الغير على نفسه
الإقرار بالمعنى القانوني: أخبار الخصم أمام المحكمة بحق الأخر
الإقرار بالمعنى النسبي أو الالحاق: أخبار واعتراف الأصل بالفرع – لأن إقرارهم يوجب النقص عليهم إن كان غير صحيح
أو هو إقرار نسب راجح من بين مجموعة أنساب مطروحة أخرى مرجوحة.. والنسب المرجح في هذه الحال تقره (تعترف به) كل القبيلة أو العشيرة لا يقره بعض الأفراد منها إلا إن يكونوا من أهل الاختصاص بالأنساب ولم يكن لهم معارض معتبر. وشرطه أن يعترف الأصل ويوثق ويقر نسب الفرع.
مثلا اجتمعت عشيرة أو أسرة ما ورجحت نسبها من بين عدة آراء على إنها تنسب إلى قبيلة زبيد ولم يظهر من داخلها معارض معتبر.. واعترف من ينتسب إلى زبيد (وخاصة من أهل هذا العلم) أنهم منهم أخذ بهذا الإعتراف
ولايفهم من الإقرار المعنى الفقهي أو القانوني الذي ذكرناه سابقا
ولا يكون الإقرار في النسب الذي لا خلاف عليه
بل يؤخذ به في حال تعدد الآراء في نسب قبيلة أو عشيرة أو أسرة
شروط اعتماد الإقرار
الإقرار هنا ترجيحي في حال تعدد الاراء
1.أن تقره أغلب العشيرة ـ المُقر له
2. أن لا يكون هناك معارض معتبر من العشيرة المُقرةِ، ولا من العشيرة المُقر لها
3.أن لا يكون هناك مانع علمي ولا تاريخي لهذا الإقرار
4.أن يحدد الجد الجامع للمُقر لهم، وكيف يرتبط بالجد الجامع للعشيرة المُقرة
5. أن يكون الإقرار من الأب (الأصل) ومن هو مرتبته للابن (الفرع) لا من الفرع للأصل
البحث العلمي الذي يناقش ويحاور كل ما يمت إلى الموضوع بصلة ، فيناقش المؤتلف والمختلف أي متشابه الأسماء وما أكثرها، فيضعف الضعيف فيطرحه جانبا بعد أن يبين العلل التي فيه و من ثم يعتمد الرأي الأقوى بعد أن يبين الأدلة التي تقويه وتعززه ثم يركز على الحقبة الزمنية التي عاشها الجد الجامع وكيفية اتصال الفروع بالأصول ويحدد الزمان الذي كان فيه هذا الجد لأن تحديد هذه الحقبة مهم في تقوية وتضعيف الأسماء المتشابهة فمثلا ليس البو عامر من بني عامر بن صعصعه للفارق الزماني والمكاني بين عامر السنبسي الطائي الذي هو من أعيان القرن الثامن أو التاسع الهجري وبين عامر بن صعصعه القيسي الذي هو من أعيان ما قبل الإسلام والذي انجب قبائل وبطونا لها شهرتها . كما إن عبيدا جد قبيلة العبيد الزبيديه الذي كان من أعيان القرن الثامن الهجري ليس هو المقصود في قول الشاعر :
(ولست من الكرام بني العبيد) إذ إن الفارق الزماني جد شاسع بينهما
وأن يكون وفق شروط البحث العلمي
أما ما ذكره بعض النسابين وخاصة الشريف تاج الدين بن محمد بن حمزة بن زهرة الحلبي الحسيني في كتابه
( غاية الاختصار في أخبار البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار) من إن النسب يثبت بثلاث طرق :
1-أن يرى خط نسابة موثوق به ويعرف خطه ويتحققه فحينئذ إذا شهد خط النسابة بشيء عمل عليه.
أقول: إن هذا يدخل في موضوع ( الرقعة) التي تعد من طرق اثبات النسب
2-أن تقوم لديه البينة الشرعية: وهي شهادة رجلين مسلمين حرين بالغين يعرف عدالتهما بخبرة أو تزكية فحينئذ يجب العمل بقولهما
أقول: إن هذا الأمر ليس في ثبوت نسب القبائل بل يعمل به في إلحاق نسب طفل بأبيه، أو حين وقوع الجنح أو الديات فشهادة الشهود العدول يؤخذ بها في انتساب الجاني أو القاتل إلى القبيلة الفلانيه لأنه قد يكون انتساب ولاء أو تحالف، ولو أخذنا بشهادة الشهود في إرجاع انساب القبائل إلى أصولها لوقعنا في إشكالات نسبية نحن في غنىً عنها .ولا اخفي أنني اطلعت على مشجرات انساب باطلة لا اصل لها ، فيها من العلل القادحة ما يندى لها الجبين اعتمد على صحتها بشهادة الشهود فقط وخاصة وان اكثر هؤلاء الشهود لا علم لهم بالنسب… والعدول في النسب هم أهل هذه الصنعة المشهود لهم بالورع والتقوى.
3-أن يعترف أب بابن، وإقرار العاقل على نفسه جائز .
أقول: إن هذا الأمر لا يخص نسب القبائل بل هو يخص النسب الفردي المشكوك في صحته فعندما يقر ويعترف الأب بأبوته لهذا الطفل أو الولد يلحق به و بنسبه .
وان الرؤى المنامية والكشف والالهام ليست دليلا على إثبات النسب
الباحث في التأريخ والأنساب
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية