نون والقلم

أسامة عبد المقصود يكتب: «الفيس» بين الملائكة والأبالسة!!

عجبت لسكان الفيس بوك وقد أغراهم العم جوجل مع الأخ مارك حتى أصبح العالم يشهد تزايدا في أعداد أولئك الذين يطلون بهمومهم وأفكارهم ويطرحون أدق تفاصيل حياتهم لحظة بلحظة وتلك تعد إشارة إلى أنهم أصبحوا في عداد المرضى النفسيين على موقع الفيس بوك الذي يتصوره هؤلاء شخصا حقيقيا ينتمي إلى عائلاتهم ويعيش معهم داخل بيوتهم ويشاركهم أسرارهم.

والغريب أن سكان الفيس بوك وطوال الوقت يصدرون إلي من يتابعونهم فكرة أنهم من  الملائكة ومن الحكماء والراشدين، وليسوا ممن يخطئون  أبدا بل، إن أكثرهم دائم الحديث عن تعرضه للغدر والإهانة والذل والقهر من الأصدقاء والدنيا بأسرها، لأنه حسب وصفه لنفسه إنسان مسالم وان أشد عيوبهم هي الطيبة المفرطة والأخلاق النبيلة والصبر على المصيبة علاوة على تعرضهم طول الوقت للحسد والحقد من الرفاق والجيران وكأنهم دون كل البشر  يتمتعون بالحكمة والشرف ونقاء النفس، ما داموا يسطرون كلمات تحكي عن معاناتهم أو يشاركون بعضهم الأغاني ومقاطع الفيديو الدالة على ظلمهم واضطهادهم المستمر.

ومع أن الفيس بوك من الأساس هو  منبر تواصلي إلا انه غير مأمون الجانب حين تسيطر عليه فئة الأبالسة وتحركه لخدمة أفكار خبيثة وشخصيات مستترة تحت أسماء وهمية وبلهجات عربية تسعى  لإشعال الفتنة بين المجتمعات والنيل من مقدراتها والوقيعة بين أبناء الكيان الواحد من خلال بث سموم الكراهية ونشر ثقافة تصديق المنشورات حتى تلك التي تحمل  الإشاعات الساعية إلى تفتيت الأوطان وخلق أجيال فاقدة للوعي ومكتفية بكونها تعيش بين السماء والأرض.

ومع أن الفيس بوك له مميزات إيجابية أهمها وجود تواصل مأمون بين شخصيات حقيقية لها تعاملات يومية في محيط الواقع وتمارس حياتها الواقعية بتوازن كبير بالتواصل مع الجميع من خلال كتاباتهم الأدبية ومعلوماتهم المفيدة حيث إن التواصل الإنساني بين هذه الفئة فيه توازن نفسي وقدرة على الاستيعاب الحقيقي، إلا أن هناك سلبيات كثيرة تعتمد في الأساس على الجهل المنتشر بين فئات كثيرة في المجتمعات النامية، منها نشر كل الموضوعات بدون وعي وتحر عن صدق الخبر أو النص.

كما تتزايد ظاهرة تقديم  الإعجاب لمجاملة الأصدقاء الوهميين حتى أن الإعجاب بمنشورات العزاء والتصوير المباشر لحالة الأشخاص صار موضة مع انتشار تبادل الهدايا الرمزية من ورود وتورتة في المناسبات السعيدة لتدل على  أن طعم ورائحة الهدايا افتراضية وليست حقيقية وكأنها حلم يمضي معه سكان الفيس بوك حياتهم ويواصلون معه طريقهم وهم يعبرون عن سعادتهم بضحكات مكتوبة وابتسامات مرسومة وكأننا نعيش حياة المسخ واللاوعي مع تهشيم الفيس بوك  للأبواب ورفع أسقف البيوت وتعرية المجتمع وكشف المستور إلا أن الحياة الافتراضية جاذبة لمن يعشق الخيال ويرغب في تنفيض كاهله من أعباء الحياة الواقعية والتعلق بالوهم مما جعل سكان الفيس يتمسكون بآرائهم وعدم العدول عنها والتحريض على الأخر مدعين الرشد والحكمة ومن يخالفهم صار من الخارجين عن القواعد الأساسية للعبة.

كاتب وأديب مصري   

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى