نون والقلم

أزمة رئيس أمريكا الجديد

الآن، وبعد انتهاء المواجهات الملتهبة في سباق انتخابات الرئاسة الأمريكية، إلى فوز ترامب، فقد أخذت نظرة المتابعين والمحللين والخبراء، والمواطن الأمريكي العادي، تنتقل إلى التركيز على المشهد الحالي من زاوية مختلفة، ربما تعبر عنها مقولة البعض من المحللين من: الحقيقة أن أمريكا لم تخرج فقط من قلب معركة انتخابية شرسة، بل إنها كانت بالفعل في قلب أزمة قيادة، يبدو أنها تنتقل من ساحة السباق الانتخابي، إلى داخل البيت الأبيض، مصاحبة للرئيس المنتخب.

هذه الأزمة كشفت عنها عناصر عدة، منها ما أثبتته استطلاعات الرأي من تضاؤل ثقة الناخبين، ليس بالمرشحين المتنافسين فقط، بل أيضاً بالنخبة السياسية بصفة عامة، التي احتكرت إدارة العملية السياسية في الولايات المتحدة بطريقة استبعدت إلى حد كبير رغبات الرأي العام. وهو ما كان من أسباب صعود ظاهرة ترامب، باعتباره من خارج طبقة النخبة السياسية.

ومنها أيضاً الاتهامات المتبادلة بين المرشحين، التي هبطت باللغة المستخدمة فيها إلى درك لم يسبق أن شهدته انتخابات الرئاسة، والتي وصلت إلى حد تهديد ترامب بإلقاء هيلاري كلينتون في السجن، في حالة فوزه. وما ذكره عن تزوير المؤسسات الأمريكية للانتخابات. وهو اتهام كانت الولايات المتحدة ذاتها هي التي تتهم دولاً أخرى بارتكابها، وبأنها حكم ورقيب على طهارة ونزاهة الانتخابات في أي دولة أخرى، بعيداً عن حدودها، وفي هذا تشكيك علني في الديمقراطية الأمريكية.

وهذا ما أدى إلى طرح الكثير من القواعد المسلم بها في أمريكا، للنقاش، مثل جدوى التسليم للنخبة السياسية، بامتلاكها القرار السياسي. خاصة بعد أن تناول النقاش الدائر معلومات – كان مسكوتاً عنها طويلاً – عن سطوة قوى الضغط، وجماعات المصالح، على توجهات هذه النخبة. وكذلك التساؤل عما إذا كانت هناك ديمقراطية حقيقية في أمريكا، والاستشهاد على ذلك بدور المجمع الانتخابي الذي يمكن أن يجعل من مرشح خاسر شعبياً، فائزاً بالرئاسة. وهو ما حدث في انتخابات عام 2000، التي فاز فيها جورج بوش، بينما كان منافسه آل غور، قد فاز بأعلى الأصوات من الناخبين.

في ضوء هذا وغيره، كان الحديث عن أزمة تنتظر الرئيس المنتخب، تتجسد فيها أزمة قيادة في أمريكا.

ولعل بذرة الأزمة كانت غرست على يد باراك أوباما، بعد أن أرسى مبدأه للسياسة الخارجية، الذي يدعو إلى تحلل أمريكا من التزاماتها ومسؤولياتها التاريخية في العالم، والتي كانت قد أكسبتها وضع القيادة العالمية. فأوباما هو الذي أعلن أن أمريكا لم تعد تستطيع حل الأزمات والمشكلات في المناطق الإقليمية في العالم، وأنها تحتاج إلى شركاء يتعاونون معها. وما ترتب على ذلك عملياً من ممارسات في السياسة الخارجية، يغلب عليها التناقض، ما بين الإصرار على مفهوم الهيمنة على العالم، وبين التراجع عن دورها في دعم وحماية مصالح أصدقائها التقليديين، وفق التزاماتها تجاه أمنهم القومي.

وظهر هذا في تناقضات بين القول والفعل، تجاه دور إيران بالتدخل في شؤون دول عربية، وهو ما اعتبرته الدول العربية بمثابة تهديد لها، على حين اختلفت رؤية أوباما مع هذا التوصيف، واعتبر أن إيران لا تشكل تهديداً لهم.

واللافت للنظر أن التنافس بين المرشحين هيلاري وترامب، لم يتطرق إلى جوهر هذه المشكلة، ولم يحسم أي منهما موقف أمريكا مع مفهوم دورها العالمي. وما إذا كان يتفق مع مبدأ أوباما أم يختلف معه. وإذا استمر الغموض وتناقض المواقف بشأن تحديد المبدأ المنظم للسياسة الخارجية، فإن هذا لا يعيد للولايات المتحدة، ولقيادتها السياسية، مصداقيتها التي تراجعت كثيراً في الفترة الأخيرة.

تلحق بهذا، تساؤلات بدأت تقتحم ساحة المناقشات، عن مفاهيم تقليدية كانت تحكم السياسة الخارجية، منها مثلاً – ما كان يقال من أن أمريكا دولة لا غنى عنها Indispensablenation . وهل مازالت كذلك في تفكير النخبة السياسية؟ وهل ما زالت تعترف بمسؤولياتها العالمية، وإلى أي مدى تكون هذه المسؤوليات في تقديرها؟ وهل كانت التوجهات الدولية في عهد أوباما، مؤشراً على انسحاب الولايات المتحدة من إدارة الأزمات الدولية، والإقليمية، أم أن أمريكا تجري عملية موازنة، طبقاً لمصالحها، تجاه أطراف هذه الأزمات؟

إن[bctt tweet=” الشعوب في أي دولة متقدمة، تتطلع إلى القيادة السياسية التي تختارها” via=”no”]، لكي تتبنى سياسة تتعامل مع مستجدات داخلية وخارجية، وتوفق بينها، فهل هيأت الرئاسة الجديدة نفسها، لتعديل خيارات سياسية سابقة، أصبحت تتصادم مع هذه المستجدات، سواء ما كشفت عنها معركة انتخابات الرئاسة الأخيرة من رؤية للرأي العام، ترفض الكثير من قواعد العمل الثابتة، في النظام السياسي الأمريكي، ومن تحفظات لدى قوى دولية وإقليمية على مسار السياسة الخارجية الأمريكية في الفترة الأخيرة ؟

إن الخروج من أزمة القيادة للرئيس الجديد في الولايات المتحدة، تحسمها إرادة التكيف والتواؤم مع المتغيرات في الداخل والخارج، وليس التشبث بما هو مألوف، ومسلم به، في إدارة سياسة أمريكا الخارجية.

 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى