أحمد فاضل يكتب: صيدنايا الأسد.. مسلخ البشر وأيقونة القهر والطغيان
في مشهد يدمي القلوب ويهز الضمائر وثقت عدسات الكاميرات لحظة مروعة أثناء تحرير المعتقلين من سجن صيدنايا، حينما ظهر طفل لم يتجاوز عمره ثلاث سنوات، يخرج من بين الزنازين، متسمّرًا في مكانه، مذهولًا كأنه لا يصدق أنه خرج من كابوسه الأبدي.
صرخ أحد المسلحين بصدمة ممزوجة بالغضب: «من هذا الطفل؟ لا حول ولا قوة إلا بالله». قبل أن تخرج والدته، التي كانت معتقلة معه، وتمسك بيديه كأنها تحاول انتشاله من أعماق الجحيم الذي عاشه.
هذا المشهد ليس مجرد صورة عابرة، إنه شهادة دامغة على أبشع ما يمكن أن تصل إليه قسوة الأنظمة حينما تسحق براءة الأطفال في زنازين القهر.
أثارت صورة الطفل المعتقل، الذي وصفه البعض بأنه «أصغر معتقل في التاريخ»، موجة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي. كيف لنظام يدّعي الحماية أن يزج بالأطفال في أقبية الموت؟ وكيف لطفل أن يعرف في هذا العمر معنى الزنازين والمعتقلات، ومعنى الخوف الذي لا ينتهي؟
إنها لحظة تلخص وحشية نظام استبدادي جعل من براءة الأطفال وقودًا لآلته القمعية، وحوّل أحلام الأمهات إلى كوابيس لا تنتهي.
منظمة العفو الدولية وصفت سجن صيدنايا بـ«المسلخ البشري»، وهو الوصف الذي لم يكن مبالغة، بل أقل من الواقع الذي عاشه آلاف المعتقلين الذين اختفوا خلف أسواره ليواجهوا الموت البطيء.
هذا السجن ليس مجرد مبنى، بل مصنع لصناعة الرعب. مكان ارتبط اسمه بالدماء، التعذيب، والإبادة المنظمة التي مارسها نظام الأسد لعقود.
بُني السجن عام 1987 على تلة صغيرة شمال دمشق، ويمتد على مساحة 1.4 كيلومتر مربع، أي ما يعادل ثمانية أضعاف مساحة ملاعب كرة القدم الدولية. لكنه ليس مجرد منشأة عسكرية ضخمة، بل رمزٌ لآلة قتل ممنهجة، طحنت أحلام السوريين وحطمت أرواحهم.
رغم تحرير المعتقلين في الطوابق العليا، لم تهدأ المناشدات المطالبة بفتح الطوابق السفلى، حيث يُعتقد أن آلاف المعتقلين يقبعون في غرف مظلمة أشبه بمقابر أحياء.
تلك الطوابق، وفق شهادات ناجين، هي الأكثر رعبًا في هذا السجن، حيث يُدفن الإنسان معنويًا وجسديًا، وحيث تختفي الأرواح قبل أن تُعلن وفاتها.
مسرح الدماء
عُرف سجن صيدنايا بلقب «السجن الأحمر»، في إشارة إلى دماء الأبرياء التي أُريقت داخله، فالتقارير الحقوقية كشفت عن تمييز النظام السوري في تعذيبه بين المعتقلين الأمنيين والجنائيين.
الأمنيون تعرضوا لتعذيب ممنهج، حيث التجويع والحرمان من الرعاية الصحية جزءٌ من حياتهم اليومية، أما الجنائيون، فكانوا يعيشون على هامش الموت، بتعذيب غير ممنهج، وزيارات نادرة تُبقيهم بالكاد على قيد الحياة.
ما حدث في صيدنايا ليس مجرد جريمة، بل وصمة عار أبدية في جبين العالم. هذا السجن، الذي صممه حافظ الأسد وأكمل نجله بشار مسيرته السوداء، ليس فقط رمزًا للقمع، بل شهادة دامغة على فشل المجتمع الدولي في حماية الأبرياء.
المشاهد التي خرجت من صيدنايا، من الطفل المعتقل إلى قصص الناجين، يجب أن تكون نقطة تحول في مسار الإنسانية. فلا يمكن للعالم أن يلتزم الصمت بينما تُرتكب مثل هذه الجرائم أمام أعين الجميع.
لن يسقط سجن صيدنايا من ذاكرة التاريخ.. ستظل صرخات المظلومين تلاحق الطغاة، ولن يُطوى هذا الفصل الأسود إلا بتحقيق العدالة الحقيقية.
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية