
أحمد فاضل يكتب: بوتين يُحطم إمبراير 190 ويُسقط معها الإنسانية
في مشهد مأساوي لا يمكن أن تبرره الأعذار أو تداويه الكلمات، ضرب الدفاع الجوي الروسي الطائرة المدنية إمبراير 190 الأذربيجانية وانتهى بها المطاف محطمة في كازاخستان، حاملة معها أرواح 38 ضحية بريئة.
الحادثة، التي كانت نتيجتها تصويب أنظمة الدفاع الجوي الروسي على الطائرة، تكشف بوضوح انحدار روسيا إلى قاع من الفوضى العسكرية والاستهتار الفاضح بالإنسانية.
ومن درب المستحيلات وغير المعقول أن أنظمة الدفاع الجوي الروسية، التي تُعد من الأكثر تطورًا في العالم، تعجز عن التفريق بين طائرة مدنية وأخرى عسكرية، هذه ليست مسألة خطأ تقني، إنها إهانة للعقل والمنطق والذكاء العالمي وإسقاط مروع للإنسانية واستهانة بأرواح الأبرياء، فالطائرات المدنية مزودة بأجهزة تعريف واضحة، وإشاراتها معروفة ومحددة لكل مراقب جوي محترف.
إذا كانت روسيا، بكل مواردها التكنولوجية والعسكرية، لم تتمكن من التعرف على طائرة ركاب، فكيف يمكن للعالم أن يثق بمسؤوليتها في إدارة الأجواء؟!! وهو غير معقول أمام الحجة التي قدمها بوتين بأن الحادث وقع أثناء التصدي لطائرات مسيّرة أوكرانية هي محاولة يائسة لتمرير جريمة لا يمكن تبريره، فالطائرات المسيّرة تختلف جذريًا في الحجم والتصميم عن الطائرات المدنية، مما يجعل هذا العذر غير منطقي تمامًا، ولكن يبدو أن القاعدة الأساسية في الاستراتيجية الروسية أصبحت «إطلاق النار أولاً، ثم التساؤل لاحقًا».
هذه الحادثة ليست مجرد سقوط طائرة، إنها سقوط لقيم العدالة والإنسانية في مواجهة استهتار متعمد بأرواح الأبرياء، فروسيا لم تُخطئ في التقدير، بل أخفقت في احترام أبسط مبادئ السلامة الجوية، مما يثير تساؤلات جدية حول أهليتها لإدارة أجواء العالم.
حين يتحول الأبرياء إلى أرقام
الضحايا الذين سقطوا في هذه الكارثة وفقدوا حياتهم لم يكونوا مجرد ركاب، كانوا أشخاصًا لهم قصص، أحلام، وأسر تنتظر عودتهم، الآن، أصبحت عائلاتهم تواجه فراغًا لا يمكن ملؤه، أين العدالة لأرواحهم؟ وأين المسؤولية تجاه أسرهم التي أصبحت تواجه الحداد والصمت الدولي.
إذا كانت روسيا تدّعي أنها قادرة على مواجهة القوى الكبرى في العالم، كيف تعجز عن التفريق بين طائرة ركاب ومسيّرة صغيرة
ما حدث في سماء كازاخستان ليس مجرد حادث، بل شهادة مؤلمة على سقوط الإنسانية في مواجهة استهتار القوة، روسيا لم تسقط طائرة فقط، بل أسقطت معها أبسط القيم التي تجمع البشر.
إذا استمر العالم في الصمت، فإن هذه الحادثة لن تكون الأخيرة، أرواح الضحايا تطالب بالعدالة، والعالم كله مسؤول عن تحقيقها، اليوم هو الوقت المناسب للتحرك، لأن الصمت ليس خيارًا، بل خيانة للإنسانية بأسرها.
الصمت الدولي على هذا الحادث هو شراكة غير مباشرة في الجريمة، إذا لم تتحرك الأمم المتحدة ومنظمات الطيران الدولي للتحقيق ومعاقبة روسيا، فإن سماء العالم بأسره ستكون تحت رحمة أنظمة دفاع لا تعرف الرحمة، يجب فرض عقوبات صارمة، ليس فقط لضمان تحقيق العدالة للضحايا، ولكن أيضًا لحماية مستقبل الطيران المدني العالمي.
اعتذار بوتين، الذي جاء محملًا بكلمات باردة مثل «الحادث المأساوي»، ليس سوى محاولة واهية للتملص من المسؤولية، لكنه لم يصل حتى إلى حد الاعتراف بأن روسيا هي المسؤولة، إن وصف الحادث بأنه نتيجة «نشاط دفاعي» ضد طائرات مسيّرة، في وقت يتطلب فيه الأمر شفافية ومحاسبة.
براعة الطيار
ولا يفوتني في ختام المقال أن أشيد ببراعة طيار إمبراير 190 في التعامل مع الحادث، ففي لحظة فاصلة بين الحياة والموت، أظهر طيار إمبراير 190 بطولة نادرة واحترافية عالية ومهارة استثنائية، فور تعرض الطائرة لهجوم الدفاع الجوي الروسي، حيث اتخذ قرارًا حاسمًا في أقل من الثانية، وسط الفوضى العارمة، متمكّنًا من استعادة السيطرة على الطائرة بحرفية لا مثيل لها، محوّلًا المأساة المحتملة إلى فرصة نجاة حتى ولو بنصف الركاب. فكانت قدرته على اتخاذ قرارات دقيقة في وقت قياسي عاملًا حاسمًا ومهمًا في إنقاذ حياة ما يقرب من نصف الركاب، ليثبت أن الشجاعة والاحترافية في أصعب اللحظات قد تكون الفارق بين الحياة والموت.