أحمد فاضل يكتب: الأمم المتحدة.. بيانات خاوية ومواقف هزيلة
من العار أن تبقى الأمم المتحدة، تلك الهيئة التي يُفترض بها أن تكون المدافع الأول عن السلام وحقوق الإنسان في العالم والدرع الواقية للشعوب المظلومة، مجرد جهاز بيروقراطي يختصر دورها في إصدار بيانات جوفاء من الإدانة والقلق والشجب والاستنكار، دون أي تحرك حقيقي لوقف الحروب والانتهاكات المروعة التي تشهدها العديد من الدول، بينما يفترض فيها أن تكون القوة الحاسمة أمام القوى الكبرى لحماية الشعوب، فإنها اكتفت طوال عقود بترديد كلمات لا وزن لها تنتهي دائمًا بـ«ندين» و«نشجب» دون اتخاذ أي إجراءات فاعلة على الأرض.
خلال اليومين الماضيين، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن «القلق البالغ» حيال الانتهاكات المتزايدة لسيادة سوريا وسلامتها الإقليمية، مبدياً انزعاجه الخاص من الغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة على الأراضي السورية.
ومرة أخرى، نجد أن الأمم المتحدة تكتفي بتوجيه أصابع الاتهام، وإصدار تصريحات ضعيفة دون أن تقدم على أية خطوات ملموسة لوقف هذا الاعتداء الجوي الممنهج، حتى الاتفاقات الدولية التي تضمن سيادة الدول، مثل اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 بين سوريا وإسرائيل، باتت مجرد حبر على ورق في مواجهة صمت الأمم المتحدة المشين.
أما في لبنان، فلا يمر يوم إلا ويقع فيه قصف على المدنيين، وتعصف البلاد بحروب مستمرة تُدمّر كل شيء في طريقها، والشعب اللبناني يدفع الثمن بشكل يومي. وبدلاً من أن تتحرك الأمم المتحدة لإيجاد حل فعّال، تكتفي بإصدار بيانات «القلق» التي أصبحت مجرد كلمات مستهلكة لا تجلب نفعًا لأحد، كيف يمكن لمنظمة دولية أن تترك دولًا بأكملها تعاني من الصراعات المستمرة بينما لا تقدم على اتخاذ إجراءات حاسمة؟
وفي السودان، حيث يواصل المدنيون دفع ثمن الحروب الداخلية والاعتداءات على الأبرياء، تظل الأمم المتحدة في موقف العجيب المثير للقلق، تصدر البيانات التي تندد وتدين، لكن الواقع على الأرض يزداد سوءًا كل يوم، بينما من المفترض أن تكون الأمم المتحدة هي الجهة المولجة بحماية الأرواح وحفظ السلام، فإنها تظل عاجزة تمامًا عن اتخاذ أي قرار جاد لوقف القتل الجماعي والتشريد المستمر.
أما في العراق، فيشهد الشعب العراقي تدميرًا شاملاً نتيجة الصراعات المسلحة والفوضى السياسية. ورغم العديد من تقارير الأمم المتحدة التي تُدين الانتهاكات وتستنكرها، لا نجد أي تحرك حقيقي على الأرض لوقف المعاناة، والواقع أن الأمم المتحدة قد فشلت في تحقيق الاستقرار في العراق، ولم تقدم على أي إجراء حاسم لوقف النزاعات أو محاسبة المعتدين.
وفي غزة، حيث يُذبح الأبرياء يومًا بعد يوم على يد الاحتلال الإسرائيلي، يبقى موقف الأمم المتحدة هو ذاته: إدانة لا تسمن ولا تغني من جوع. ورغم القرارات المتعددة التي تحذر من الانتهاكات الإسرائيلية، تظل الأمم المتحدة متقاعسة في فرض أي عقوبات أو اتخاذ إجراءات فعالة لوقف هذا الظلم. ماذا تفعل الأمم المتحدة إذًا لم تتحرك في مثل هذه القضايا التي تمس حقوق الإنسان؟
بينما تُقتَلع الأرواح وتُدمَّر البلاد، تظل الأمم المتحدة ثابتة في سكونها، مُكتفية بالتصريحات المكررة التي لا تُغني ولا تُسمن. موقفها دائمًا هو ذاته: «ندين» و«نندد» و«نُعرب عن قلقنا». هذه الكلمات أصبحت عبئًا على المجتمع الدولي، بل أصبحت مصدر سخرية، أين هي القرارات الحاسمة؟ أين هي الإجراءات الفعّالة لوقف الحروب؟ أين هي المحاسبة على الجرائم؟ أين وأين وأين ؟؟؟؟!!!!
إن الأمم المتحدة، بهذا الأداء الباهت والمواقف المتخاذلة، قد أثبتت أنها غير قادرة على الوفاء بمسؤولياتها الدولية، قد تكون مجرد جهاز بيروقراطي عتيق لا يجيد سوى إصدار التصريحات الجوفاء، بينما الشعوب تُذبح وتُسحق تحت وطأة الحروب والصراعات.
لا يمكننا أن ننتظر من الأمم المتحدة أن تبقى مجرد شاهدة على ما يحدث، إن الوقت قد حان لأن تتحمل هذه الهيئة مسؤولياتها وأن تتحرك بشكل فعّال لحماية حقوق الإنسان ووقف الانتهاكات، إن وضعها الحالي ليس فقط فشلاً ذريعا، بل أيضًا خيانة لكل من يعاني من الحروب والظلم.
وعلى الرغم من أن المنظمات الدولية مثل «الأمم المتحدة» و«هيومن رايتس ووتش» لها تاريخ طويل في التنديد بالجرائم الإنسانية، فإن الحقيقة المرة التي نعيشها هي أن هذه التنديدات تظل بلا قيمة في حال عدم وجود إرادة سياسية دولية حقيقية لحل هذه الأزمات، فعندما تقتصر المسؤولية على إصدار البيانات فقط، فإننا نكون قد فشلنا في تقديم الحلول العملية التي يمكن أن توقف نزيف الدم في العديد من الدول.
إن الوقت قد حان لمساءلة هذه المنظمات على ضعف موقفها، خاصة في حالات مثل مسلخ صيدنايا، حيث كان يمكن للضغوط الدولية أن تُحدث فرقًا في حياة آلاف المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب والإعدام غير المشروع. إن استمرار هذه المنظمات في تقديم التصريحات الفارغة يضر بالقضية نفسها ويُشجع على استمرارية الجرائم بحق الإنسانية.
العالم بحاجة إلى منظمات تمتلك الإرادة لتغيير الواقع، لا منظمات «قلقة» تغذي الصمت وتعيش على الشجب والاستنكار والإدانة، فالمواقف القلقة للمنظمة القلقانة دائما لا تساوي شيئا أمام الجرائم التي ترتكب بحق الأبرياء.
وختاما، لا يسعنا إلا أن ندعو العالم للبحث عن علاج فعّال لمرض القلق المزمن الذي تعاني منه الأمم المتحدة.
هذا المرض الذي جعلها أسيرة التصريحات الخاوية، عاجزة عن اتخاذ خطوات حقيقية لإنقاذ الأرواح وحفظ السلام، إذا استمرت الأمم المتحدة في أداء هذا الدور الهزيل، فإنها لن تكون سوى ظل باهت لفكرة نبيلة فقدت معناها.
الشعوب التي تعاني من ويلات الحروب والظلم تستحق أكثر من بيانات قلقة، إنها تستحق قرارات جريئة وتحركات حاسمة تنهي المآسي التي تعصف بها.
آن الأوان لإصلاح جذري يعيد للأمم المتحدة مصداقيتها ودورها كحامية للإنسانية، وإلا فإن التاريخ سيحكم عليها بأنها كانت شريكًا في معاناة العالم بقلقها المستمر.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية