محمود دشيشة يكتب: السياسات الأمريكية والتعنت الإثيوبي
بلا شك فإن تغيير السياسات الأمريكية يؤثر علي كل دول العالم ويجبرها علي تغيير الكثير من سياساتها. ولا ننسي أن أمريكا تعيد ترتيب أوراقها لمواجهة التفوق الاقتصادي الصيني والتقدم العسكري الروسي. والذي أصبح قبلة جيوش العالم لشراء أسلحة الطائرات والدفاع الجوي منه. وكذلك إعادة ترتيب أوراق اللعبة دفاعا عن مصالحها وللحفاظ على حلفائها وخاصة الاتحاد الأوروبي.
أما في الشرق الأوسط فقد بدأت بوادر السياسة الجديدة بغلق ملف الحرب اليمنية و الذي تورطت فيه السعودية والإمارات ست سنوات. ولا تبدو لها حلول في الأفق بسبب الدعم الإيراني لقوات الحوثيين. وبسبب الطبيعة الجغرافية لليمن التي تجعل من حسم الصراع لصالح أحد الأطراف حلما بعيد المنال.
فقد أعلنت الخارجية الأمريكية إلغاء تصنيف الحوثيين كجماعة أرهابية وهو ما يعني أن السياسة الأمريكية تسعي لسحب البساط من تحت أقدام إيران في اليمن من خلال فتح قنوات الاتصال معهم بعكس الأسلوب الذي انتهجته الخارجية الأمريكية سابقا. مما سيعطي فرصة أكبر للسعودية للتفرغ تجاه الحدود الإيرانية. التي تكاد تحصل على القنبلة النووية طبقا للتصريحات الفرنسية في هذا الشأن. كما سيحرم إيران من التدخل في الشأن اليمني .
أما في الشأن الليبي فقد وضح خلال الفترة الأخيرة وجود اتفاق علي الحلول السياسية لحل أزمة الفرقاء في ليبيا و لعل الانتخابات التي تمت أمس تحت إشراف الأمم المتحدة و أسفرت عن رئيس جديد للحكومة و رئيس جديد ونواب اثنين لمجلس الحكم الليبي. وقد أيدت مصر والإمارات والجامعة العربية، ما أعلنته بعثة الأمم المتحدة لنتائج الانتخابات الليبية. كما باركه السراج و عقيلة صالح أيضا. ورحبت تركيا بالحكومة الليبية الجديدة وهو ما يعني أن هناك نسبة من التوافق المصري التركي تجاه الملف الليبي حاليا وبقي الملف الأهم والأخطر وهو خروج الميلشيات وكل الأجانب المشاركون في الحرب الليبية وهي الخطوة الأهم و التي بدونها لن يكون هناك أستقرار في ليبيا .
أما عن ملف سد الخراب الإثيوبي فمن الواضح حتي الأن أن إثيوبيا تسير عكس الاتجاه و لم يتغير شئ في سياساتها بل أن الصراع الحدودي مع السودان يزداد إشتعالا و تزداد معه الأكاذيب و التبجح الإثيوبي و كانت أخر الأكاذيب هو اختراق قوات الجيش السوداني للأراضي الأثيوبية. رغم أن السودان استعاد معظم الأراضي التي كانت تحتلها القوات الإثيوبية منذ خمس وعشرون عاما. ولكن مازالت تحتل أجزاء من التراب السوداني وترفض الإنسحاب منها بزعم أنها أراضي إثيوبية. كما أعلنت أنها استكملت معظم منشآت السد. و أنها ستبدأ الملء الثاني دون الرجوع لمصر أو السودان. رغم أن السودان أعلن رسميا أن هذا الملء الثاني يهدد نصف سكان السودان بالفناء.
ومن الواضح أن مصر أصبحت تملك زمام التدخل العسكري ولكنها تنتظر التدخل الأمريكي نظرا لأن الحرب في القرن الأفريقي ستكون لها عواقب وخيمة علي العديد من دول أفريقيا وقد يمتد الصراع ليشمل دولا أخري مثل أريتريا و الصومال و غيرها .
كادت المباحثات التي تمت في واشنطن برعاية أمريكية و إشراف وزير خزانتها من الوصول لاتفاق لولا تدخل وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو و دعمه للجانب الإثيوبي مما شجعهم علي رفض التوقيع علي الاتفاق و الانسحاب بعدما وقعت مصر عليه. وكل المراقبين لملف السد الإثيوبي. يعلمون أن هذا الملف تستطيع أمريكا لو ضغطت على إثيوبيا الوصول لاتفاق يحفظ لمصر حقها في مياه النيل. والاتفاق على وسائل الأمان للسد بإشراف مصري سوداني إثيوبي مشترك. ولكن لا يبدو في الأفق حتي الآن السياسة الأمريكية الجديدة تجاه هذا الملف الخطير. الذي ضاع فيه عشر سنوات من المفاوضات العبثية والتعنت الإثيوبي. الذي لا مبرر له ولا يستند إلى شئ من القوة أو الحق. ولكن قادة إثيوبيا يتمادون في غيهم حتى يعلموا علم اليقين أنهم أخطأوا في حق مصر كثيرا وأن حساباتهم الخطأ يجب أن يدفعوا ثمنها.
ولعل الموقف الأمريكي الرافض لوجود أو اشتراك قوات أرتيريا في الحرب ضد إقليم تيجراي الإثيوبي. وطلب الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن في تصريحات لوزير خارجية أمريكا أنتوني بلينكن. عن قلق أمريكا العميق حيال أزمة أقليم تيجراي يكون مدخلا لحل أزمة سد الخراب. التي قد تشعل الحرب في أفريقيا و على مصر أن تستعد لأن الوقت لم يعد في صالحنا و أمن مصر لابد أن يكون بيد مصر لا بيد غيرها.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية