نون والقلم

فتوح الشاذلي يكتب: عرس الثقافة العربية 

تدور الأيام والسنين ويظل معرض الكتاب عرس الثقافة المصرية والعربية.. يظل المعرض الحدث الأكبر والأهم في ذاكرة الأجيال.. لكن يأتي معرض هذا العام وسط حاله من الحزن والألم.. ألم الفراق والوداع.. فراق رواد المعرض من الأهل والأحبة. 

من بينهم أعز الناس وأقربهم إلى القلب بعد أن رحل إلى رحاب ربه.. لم يتخلف عاما عن المعرض إلا للمرض وكبر السن.. وكان يؤمن بأن هذا العرس الثقافي هو الغذاء والدواء. 

تفرق الجمع لأسباب أخرى من بينها السفر والترحال ووجدتني أردد كلمات الشاعر العراقي الكبير عبد الرزاق عبد الواحد «يا طارق الباب رفقا حين تطرقه.. فإنه لم يعد في الدار أصحاب.. تفرقوا في دروب الأرض وانتثروا كأنه لم يكن أنس وأحباب.. ارحم يديك فما في الدار من أحد.. لا ترج ردا فأهل الود قد راحوا.. ولترحم الدار لا توقظ مواجعها.. للدور روح كما للناس أرواح». 

ومن فراق الأحبة في معرض هذا العام إلى فراق وألم من نوع آخر نعيشه مع بعض إصدارات المعرض هذا العام وفي مقدمة هذه الإصدارات كتاب «أيام موشا» للصديق العزيز منتصر سعد مدير تحرير الوفد.. يأخذنا الكتاب إلى رحلة في أعماق الزمن الجميل يذكرنا بفراق البشر والحجر.. ويعود بنا إلى ذكريات الزمن الجميل. 

الكتاب يعد إضافة لكتب التراث المصري حيث يتناول حياة القرية المصرية على وجه العموم والقرية الصعيدية على وجه الخصوص. 

«موشا».. كما قال عنها المؤلف تأخذك في رحلة معايشة لحياة القرية المصرية تستنشق من خلالها عطر الزمن الجميل.. زمن التعب والضحك.. رحلة تسترجع فيها عادات وتقاليد القرية التي اختفت وسط صخب وضجيج التكنولوجيا.. رحلة ترصد مظاهر الحياة في القرية والغوص في تفاصيل الاحتفالات والموالد والمواسم والأعياد وصولا إلى المهن التي اشتهرت بها القرية. 

ثم يأخذك الكاتب إلى مقارنة مع الواقع المعاصر.. تلك المقارنة التي تجعلك حزينا على ما فات.. يقول الكاتب مرت الأيام وأصبح في قريتنا أفران أمامها طوابير من أهل القرية يبحثون عن رغيف الخبز.. مات الفرن البلدي.. وخرج السقا بلا عودة.. وتحولت الأراضي الزراعية إلى غابات أسمنتيه.. وانتشرت محلات السوبر ماركت.. واختفى الكانون وظهر البوتاجاز.. واختفت جملة شكرا لساعي البريد واختفت معها كروت المعايدة.. وظهر الدي جي بديلا عن الحكائين وجلسات السمر.. انهارت زراعة القطن ولم يعد موسم حياة. 

لكن هناك كلمه واحده لم يذكرها الصديق منتصر سعد في كتابه الصادر عن دار غراب للنشر والتوزيع وهي «البركة».. زمان كانت البركة ومعها الفطرة السليمة وأخلاق القرية.. أما اليوم فقد عصف بنا طوفان الحداثة وأصبحنا أسرى لثورة التكنولوجيا.. ولا نملك إلا أن نترحم على أيام موشا. 

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى