اخترنا لكدنيا ودين

رضا هلال يكتب: الأم مدرسة.. والصيام فصل دراسي مميز فيها

ومضات رمضانية

من حسن الطالع أن يتوافق عيد الأم الذي يحتفل فيه المصريون بالأم وتكريمها والاختفاء بها، ورغم أن الإسلام قد سبق كل هذه الدعوات بأن تكون الأم على مدار الأيام والسنين والعمر كله محط الاحترام والتقدير والاحتفاء.

وهذا لم يأت من فراغ بل لدورها الكبير في حياة كل منا نحن البشر، وليس من قبيل التكرار أن نقول انها هي من حملت وتحملت آلام الولادة والإرضاع والرعاية والعناية طفلا إلى أن شب كل منا وأصبح يافعا.

الأم دورها لا يتوقف عند ذلك فإن كان الأب يربى الجسد فإن الأم تغذي الروح وتصلح القلب، وتغرس فيك الانسانية، باعتبارها طاقة حنان لا تنضب، كما أنها تغرس فيك العقيدة التي تستقيم بها حياتك ابد الدهر، فالأم مدرسة، ولنجعل من شهر الصيام فصل دراسي مميز فيها، حيث تعلّم أبناءها الصبر، العبادة، حب العلم، والأخلاق الحميدة، كما فعلت أمهات العلماء والمفكرين على مر التاريخ.

ويجدر بي أن أذكر واحدا من المواقف التي مررت بها في حياتي مع أمي رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها الفردوس الأعلى مع أمهات المؤمنين ومريم ابنة عمران، وآسيا وفاطمة بنت محمد صل الله عليه وسلم ورضوان الله عليهم أجمعين وغيرهم من الطاهرات العفيفات.

أذكر ما حدث معي قبل حوالي خمسين سنة من الآن أننا كنا في نهار شهر رمضان بحره الشديد، وكنا في موسم جني المشمش وأنا في سن صغير إلا أنني كنت ماهرا في جني ثمار المشمش لخفة الوزن وقتها، ويعتمد على أبي كثيرا في ذلك لجني ما لا يستطيع أحد جنيه، وفي ذات يوم بحره الشديد وقد نال مني العطش مبلغه وتشرخت قصبتي الهوائية حتى كنت أشعر بسخونة الهواء في مجرى التنفس، وبالفعل كان يوما شديد الحرارة صعب على طفل مثلي أن يتحمله  وتحججت بشيء ما وذهبت إلى البيت، وغافلت من بالبيت ودخلت غرفة الطعام وشربت حتى امتلأ «كرشي» وفتحت إناء «القشطة» والتهمت منه التهاما يروى ظمأي ويرطب على قلبي ومعدتي، وفجأة انفتح الباب وإذا بأمي تضبطني، فكنت كقاتل ضبطه رجال «العسس»، وسيواجه حكما بالإعدام.

ولم تقل لي أمي وقتها إلا كلمة واحدة لا يمكنني أن أنساها حتى اليوم قالت لي «أنت ما عندكش عقيدة» ثم تركتني وانصرفت، فألقيت ما بيدي وأنا طفل وخرجت عائدا إلى حقل المشمش في «عصيص» وكل شيء في يتحرك ويغلى وحزين، فيالها من كلمة رأيتها قاسية وحادة كالسيف، في وقتها، ولكنها حاليا هي قمة التربية والتركيز في بناء الإيمان في القلب.

ومن حينها ولا تفارقني هذه العبارة، بل دستور حياة، ومبدأ لا يفارقني ودرس أحاول تعليمه ونقله لأولادي.

هذه هي الأم العظيمة التي كانت الفطرة السليمة، والدين الخالص يملأ قلبها دون مسلسلات تشوش أو دعاة حقوق مرأة تفسد الروح والفطرة، سيدة بسيطة ريفية، لم تنل إلا حظا ضئيلا من التعليم إلا بضع سنوات لتتعلم كيف تكتب اسمها وقرآنها، حتى أنها في خضم الحياة وكثرة الأولاد نسيت القراءة، ولكنها لم تنس العقيدة الإيمانية الخالصة.

وحري بي أن استعرض بعضا مما قامت به الأم على مر التاريخ وفضلها على البشرية جمعاء، كونها تستحق هذا الاحتفاء الذي تصادف مع رمضان والعشر الأواخر منه على وجه الخصوص.

فهذه نماذج ملهمة لعلماء ومفكرين كان لأمهاتهم دور كبير في تشكيل شخصياتهم ومسيرتهم العلمية:

قديما ابن سينا كانت والدته هي التي وفرت له بيئة مشجعة على التعلم، مما ساهم في نبوغه في الطب والفلسفة.

وكذلك الإمام الشافعي الذي نشأ يتيمًا، لكن والدته حرصت على تعليمه، فأصبح أحد أئمة الفقه الإسلامي الكبار.

ومن الغرب جاء لنا ألبرت أينشتاين الذي شجعته والدته، هيرثا، على دراسة الموسيقى والرياضيات، مما ساعد في تطور عبقريته العلمية.

وكذلك توماس إديسون الذي كان يعاني من صعوبات في التعلم، لكن والدته دعمته وأخرجت منه أعظم المخترعين.

أما إسحاق نيوتن الذي توفي والده قبل ولادته، لكن والدته اهتمت بتعليمه، مما جعله من أعظم العلماء في الفيزياء والرياضيات.

والعلامة الفيلسوف أديب الدعوة الإسلامية فضيلة الشيخ محمد الغزالي فكانت والدته تعلمه وتقرأ عليه القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، مما جعله من أبرز المفكرين والدعاة في العصر الحديث.

وأخيرا وليس آخرا جابر بن حيان الذي يُعرف بأنه «أبو الكيمياء»، وكان لوالدته دور في تعليمه وتحفيزه على البحث والاكتشاف.

فدور الأم هنا يتجاوز التربية إلى صناعة العقول والمستقبل، تمامًا كما أن رمضان هو شهر تهذيب النفوس وصناعة الشخصية القوية.

وغدا ومضة رمضانية جديدة

redahelal@gmail.com

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى