
د. أحمد يوسف أحمد يكتب: صفقة القرن.. مزاعم متضاربة
منذ تولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة والحديث يتواتر حول «صفقة القرن» دون أن يرتبط بأي أفكار محددة معلنة رسمياً من الجهة التي ترعاها ممثلة في إدارة الرئيس وبصفة خاصة صهره جاريد كوشنر، غير أن جولته الأخيرة المكثفة في المنطقة، والتي زار فيها كلاً من السعودية وقطر ومصر والأردن وإسرائيل، وقابل قادتها، تُعد مؤشراً قوياً على اقتراب الإعلان الرسمي عن الصفقة، وهو ما أيده آخر تصريح رسمي لكوشنر قبل كتابة هذه المقالة، ومن خلال مئات التقارير التي تواترت حول المضمون المحتمل للصفقة كانت هناك عناصر مشتركة لعل أهمها ثلاثة تتعلق بطابعها الإقليمي ومضمونها الاقتصادي وأبعادها السياسية، ويعنى طابعها الإقليمي أن الصفقة سوف تشمل دولاً عربية عديدة مؤثرة، سواء سياسياً لارتباطها المباشر بالقضية كمصر والأردن، أو اقتصادياً بافتراض أن هذه الدول ستقدم معظم التمويل الذي يحتاجه تنفيذ الصفقة. وبالنسبة لمصر فثمة تركيز على أن دورها سيتمثل -وفقاً لتلك المزاعم- في تقديم جزء من سيناء يماثل ثلاثة أمثال مساحة قطاع غزة، بحيث تصبح «دولة غزة» قابلة للحياة وتستطيع ضم ملايين الفلسطينيين، وبذلك تنتهي مشكلة اللاجئين الذين يمكن أن يكون للأردن نصيب إضافي منهم، وبالمقابل تُعَوض مصر بجزء من صحراء النقب ونفق بري يصلها بالأردن. ويتواضع بعض التقارير فيكتفي بأن مصر سوف تستضيف في تخوم سيناء مع قطاع غزة بعض المقومات الكبرى للصفقة، كالمطار أو الميناء أو محطتي التحلية والكهرباء حتى تصبح غزة تحت رحمة مصر أو غيرها.
أما المضمون الاقتصادي للصفقة فيعني -كما يُقال- تحويل غزة إلى سنغافورة أخرى بحيث يُنسي الرخاء الاقتصادي الفلسطينيين قضيتهم الوطنية وينتهي الأمر، أي شراء القضية بالمال، وهو ما يحتاج تمويلاً هائلاً يُفترض أن تتحمله أساساً الدول العربية الثرية بمشاركة دولية، أوروبية وأميركية.
وبخصوص الأبعاد السياسية للصفقة تشير التقارير إلى «شبه دولة» فلسطينية منزوعة السلاح عاصمتها أحد أحياء القدس الإدارية، وليس بالضرورة جزءاً من القدس التاريخية، في عودة لفكرة «أبوديس»، مع إغفال تام لقضيتي تفكيك المستوطنات وعودة اللاجئين.
لا يستطيع المرء بالتأكيد أن يتحقق من دقة ما ورد في تلك التقارير في غياب أي تصريحات أميركية رسمية عن مضمون الصفقة، سوى التأكيد على طابعها الإقليمي ومن ثم عدم أهمية موافقة الفلسطينيين عليها! غير أنه بمقدورنا إبداء بعض الملاحظات الموضوعية حول ملابسات الصفقة، وأول الملاحظات أنه يكفي هذه الصفقة خللاً أنها تتم بمعزل عن أحد طرفي الصراع الأساسيين، وهو الطرف الفلسطيني الذي قاطعت قيادته الإدارة الأميركية منذ اعترافها بالقدس عاصمةً لإسرائيل. ومن أبجديات حل أي صراع ضرورة إشراك أطرافه جميعاً في جهود الحل، وإلا جاء غير معبر عن مصالحها ومن ثم مفتقداً لأبسط مقومات الاستمرار.
والملاحظة الثانية أنه لم يصدر عن أي دولة عربية ورد اسمها في التقارير عن الصفقة أي تصريح رسمي يفيد بموافقتها على ما نُسب إليها من مواقف، وفي لقاءي كوشنر بالرئيس المصري والملك الأردني شدد الموقفان الرسميان اللذان أُعلنا بعد اللقاءين على العناصر المعروفة للحل، وهي حل الدولتين على أساس من قرارات الشرعية الدولية، مع التأكيد على القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية.. وهو ما يتناقض مع أهم مقومات الصفقة. وإذا كان من المستحيل على الأردن أن يقبل بفكرة الوطن البديل، فمن غير الوارد مصرياً الحديث حول التنازل عن شبر واحد من سيناء مع الوعي التام باستغلال الدوائر المعادية للنظام المصري هذه المسألة في الترويج لأكاذيب كالقول بأن إخلاء رفح المصرية من السكان بدعوى مكافحة الإرهاب هو مقدمة لاستيطان الفلسطينيين في سيناء.
والملاحظة الثالثة تتعلق بتعقيدات الموقف في غزة خاصة، والتي تسيطر عليها حركة «حماس». صحيح أن فكرة دولة في غزة لم يعد قبولها مستبعداً من الحركة، لكن الخلافات داخلها وبينها وبين باقي الفصائل أكثر تعقيداً بكثير من أن تسمح بتمرير الصفقة، ناهيك عن أن بقاء «حماس» في الصورة صعب وخروجها منها أصعب، ولهذه الاعتبارات وغيرها فإن مصير «صفقة القرن» مرشح للانضمام للإخفاقات الأميركية الكبرى في السياسة الدولية.
نقلاً عن صحيفة الاتحاد الإماراتية