غير مصنف

السويداء.. بعد اغتيال شيخ الكرامة وحيد البلعوس ليست كما قبله

نجح نظام الأسد- على ما يبدو- وبالتعاون مع بعض وجهاء وشيوخ الطائفة الدرزية، في تطييب الخواطر ولملمة الأزمة الجارفة التي اندلعت عقب اغتيال شيخ الكرامة وحيد البلعوس، لتعود الأمور في محافظة السويداء، ذات الأكثرية الدرزية، إلى حالتها السابقة، أو هكذا يبدو للناظر من بعيد.

أخبار ذات صلة

وكانت أصابع الاتهام قد وجهت إلى قوات النظام، وتحديداً إلى الأمن العسكري، الذي يقوده العميد وفيق الناصر، بتنفيذ عملية الاغتيال التي أودت بحياة البلعوس، وستة من شيوخ الكرامة، إضافة إلى نحو 40 شخصاً كانوا في مكاني التفجيرين، حيث استهدف التفجير الأول الشيخ البلعوس في منطقة ظهر الجبل، في حين استهدف التفجير الثاني سيارات الإسعاف التي نقلته ومن معه إلى مدخل المشفى الوطني، في مدينة السويداء مركز المحافظة.

وأشارت مصادر خاصة من داخل مدينة السويداء، طلبت عدم الكشف عن هويتها، إلى أن “خدمات الاتصالات والإنترنت عادت إلى المدينة بعد انقطاع استمر عدة أيام، بالتزامن مع حالة الغضب التي سادت المحافظة ذات الغالبية الدرزية، إثر عملية الاغتيال”، لافتة إلى أن “الأسواق بدت مزدحمة ومليئة بالبضائع والمواد الاستهلاكية، وعادت الدوائر الرسمية والحكومية إلى سابق عهدها”.

وأكدت المصادر أن “المدينة ما زالت شبه خالية من قوات الأمن والجيش التابع للنظام، التي على ما يبدو التزمت مواقعها وحددت أماكن تحركها ووجودها، وذلك تحاشياً للصدام مع المواطنين الذين ما زالت آثار الغضب والاحتقان بادية عليهم”، لافتة إلى أن “المدينة تدار من قبل الفعاليات الشعبية والوجهاء في المحافظة”.

وأكد الكاتب المعارض حافظ قرقوط، أن “الوضع في السويداء هادئ، وأن المواطنين يمارسون أعمالهم بشكل طبيعي، ولا يوجد مظاهر للنظام داخل المدينة، كالدوريات ومظاهر العسكرة”، لافتاً إلى “أن هناك فقط حراسة من أبناء المحافظة”.

وأضاف: “لا يوجد مشاكل، وما زال الوضع العام بحالة ترقب، في حين أن النظام يحاول عبر أتباعه التوسط للوصول إلى حل لإنهاء حالة الاحتقان وإعادة المياه إلى مجاريها”.

-غربة

وقال قرقوط: “إن الأمور حالياً تبدو في السويداء هكذا؛ ولا بدائل للناس هنا، لأنها محافظة فقيرة ومحدودة الإمكانيات ولا يوجد دخل اقتصادي لسكانها سوى الوظائف العامة، ومع غلاء الأسعار لا يوجد مصادر بديلة”، مشيراً إلى “أن السويداء ومنذ بدايات الثورة متروكة لمصيرها، ونحن المعارضين مهمشون من كل هياكل المعارضة، ولا يوجد من يمثل المحافظة حقيقة”.

وتابع قائلاً: “ولذلك تشعر المحافظة بالغربة عن نظام الأسد وعن هيكل المعارضة التي فرضت على الثورة، ولا يريد أحد أن يصغي ويفهم لنجد حلولاً، وهكذا ما زالت الأمور معلقة، ولا أحد يريد أن يدرك أن أغلبية المحافظة معارضة، وأن الشبيحة قلة أمام المعارضة، لكن هؤلاء القلة معهم كل الدعم الإعلامي والإداري والمالي”.

وكشف عن أن “الهيئات الاجتماعية والمثقفين والسياسيين القدامى والشباب يحاولون البحث عن طرق إيجابية لإيجاد أفضل الحلول وبأقل خسائر ممكنة، كي لا نعطي فرصة للنظام للتفرد بالحل أو فرض حلوله”.

– ما بعد الاغتيال

وقال قرقوط: “لا أستطيع التكهن بموقف شيوخ الكرامة وخطوتهم القادمة، فهم يرتبون وضعهم بعد الاغتيال، والنظام لن يواجه عسكرياً ولن يستفز أحداً، وقد يسعى إلى تهدئة الأمور بالاعتماد على أتباعه لتمرير الوقت وبدون أحداث أو مواجهات”، مؤكداً أن “السويداء بكل تأكيد بعد الاغتيال، ليست كما قبله، وجدار الخوف كسر، لكن المجهول هو الذي يؤرق الناس، فسوريا كلها ما زالت تبحث عن غدها”.

وأشار إلى أن “الشيخ البلعوس أصبح رقماً صعباً بالسويداء، وبالتأكيد كان محرجاً بمواقفه للمؤسسة الدينية التقليدية، التي تعتبر جزءاً من منظومة حازت الكثير من سلطتها بدعم النظام ووجوده خلال عقود”.

وأضاف أنه “أمام هذه التطورات فلا شك أن على المؤسسة الدينية مراجعة حساباتها في محافظة لطالما اعتزت بالقيم المجتمعية وحفظ الكرامة، وهذا النظام حكم لا يناسب من يريد المحافظة على الكرامة والانتماء الوطني، ولكل هذا فإن المؤسسة الدينية أمام امتحانها الأهم”.

– مرحلة دموية صعبة

إلى ذلك، قالت رسالة نشرها رجال الكرامة على صفحتهم على الفيسبوك، واطلع مراسل “الخليج أونلاين” على فحواها: إن شيوخ الكرامة يعاهدون مناصريهم “أن تبقى الجمهورية العربية السورية وطناً نهائياً لنا ولكل السوريين، وسيبقى جبل العرب وفياً لعروبته وأمته، ويحتضن كل سوري مهجّر أو مقيم من كل المذاهب والمشارب، مرددين قول سلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية الكبرى: الدين لله والوطن للجميع”.

من جانبه، رأى الدكتور فايز قنطار، الباحث والأكاديمي السوري الدرزي، أن ما حدث في السويداء من حراك شعبي ضاغط على النظام، سببه الإجرام والفساد والاستبداد.

وقال “إن الشيخ البلعوس برأيهم تحدى النظام وأذله، عندما أعلن حماية الشباب الرافضين للخدمة في جيش النظام، وتعرض لحواجزه بالطرد، وأصدر أمراً باعتقال وفيق ناصر رئيس فرع الأمن العسكري”.

وأضاف: “سوريا أُمُّنا، وليس لنا أي وطن بديل، والولاء للوطن وليس لشخص أو لمجموعة، وهذا الحدث يشكل منعطفاً حاسماً في دخول السويداء في مواجهة مفتوحة مع النظام الأسدي”، لافتاً إلى “أن الدماء التي سالت ستلاحق مجرمي الأسد”.

وأشار إلى أن “محافظة السويداء مقبلة على مرحلة دموية صعبة، تحتاج إلى مؤازرة أخواتها، ويجب ألا تترك وحيدة في هذه المواجهة التي سيكون لها أثر إيجابي على انتصار الثورة السورية، وعلى استعادة الوحدة الوطنية؛ فوحدة الجنوب سهلاً وجبلاً هي عنوان وحدة سوريا أرضاً وشعباً”.

يشار إلى أن مدينة السويداء تقع إلى الجنوب من دمشق، وتبعد عنها نحو 100 كم، وهي المعقل الأساسي للطائفة الدرزية، التي تبلغ في سوريا نحو 700 ألف نسمة، تتركز غالبيتهم في محافظة السويداء ويتوزع الباقي على جرمانا في دمشق والقنيطرة وإدلب.

وكانت المحافظة وعلى مدار سنوات الثورة السورية، قد التزمت الحياد إلا من بعض التظاهرات هنا وهناك، ولكنها ثارت قبل عدة أيام غضباً على مقتل عدد من أبرز شيوخها المعروفين.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى