البرلمان العربي

الانتخابات البرلمانية العراقية.. التأجيل هو الخيار الأقرب

لم تحسم تأكيدات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي المتكرّرة بشأن رفضه تأجيل الانتخابات البرلمانية المقرّرة مبدئيا لشهر مايو القادم، مصير هذا الاستحقاق المفصلي الذي لا يزال مرتهنا بتفسير المحكمة الاتحادية «أعلى سلطة قضائية في البلاد» للمادة الدستورية المتعلّقة بمدّة ولاية مجلس النواب.

وفيما تختلف آراء الكتل والتيارات السياسية العراقية بشأن مصير الانتخابات، وذلك بحسب مصالح تلك الكتل ووفق حسابات الربح والخسارة فيها، يبدو التأجيل هو الخيار الأقرب للواقعية في ظل غياب الظروف الموضوعية لإجرائها في موعدها.

وعندما أعلن مجلس الوزراء العراقي عن تحديد يوم 12 مايو 2018 موعدا لإجراء الانتخابات البرلمانية والمحلية، حدّد لذلك جملة من الشروط التي يجب توفّرها، أولها توفير بيئة آمنة للاقتراع وإعادة النازحين إلى مناطقهم التي هجروها بعد اجتياج داعش لأجزاء واسعة من البلاد صيف العام 2014، فضلا عن إلزامية أن يكون التصويت إلكترونيا خلال الاقتراع، على أن تمنع الأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة من الترشح.

وباستثناء الشرط الأول، وهو البيئة الآمنة، الذي يمكن الإقرار بأنّه تحقق بشكل نسبي ومتفاوت بين منطقة وأخرى من المناطق العراقية، بعد الانتصارات العسكرية التي تحقّقت في الحرب ضدّ تنظيم داعش، لم يتحقّق شيء من بقية الشروط.

فمازال هناك أكثر من مليوني نازح لم يتمكنوا من العودة إلى مناطقهم بالرغم من مرور شهور عدة على استعادتها من داعش، لأسباب تتعلق بالدمار الهائل الذي لحق بها بسبب الحرب، أو لموانع أمنية تتعلق بوجود قوائم مطلوبين تضم آلاف الأسماء من الشبان النازحين، الذين يخشون ملاحقتهم قانونيا في حال العودة، أو لأن قوات الحشد الشعبي تسيطر على بعض المناطق السنية، وترفض عودة سكانها إليها، بذريعة أنهم يوفرون حواضن للمجموعات الإرهابية.وعلى صعيد التصويت الإلكتروني، لا تزال مفوضية الانتخابات بانتظار التخصيصات المالية اللاّزمة لتجهيز مراكز الاقتراع بالمعدات التي تضمن تحقيق هذا الشرط، وسط مصير مجهول يحيط بموازنة العام 2018 التي تواجه عراقيل في البرلمان، يعتقد أنها قد تستغرق عدة أسابيع لتجاوزها، ومن ثم إقرارها، ليتسنى إطلاق الأموال.

وفي ما يتعلق بحظر مشاركة الأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة، فقد نجحت فصائل الحشد الشعبي في الالتفاف على الموانع القانونية عبر تأسيس عدد من الأحزاب بمسميات جديدة لخوض الانتخابات.

وأعلن معظم قادة الفصائل المنضوية تحت الحشد الشعبي، ولا سيما المقربون من إيران، أنهم تفرغوا للعمل السياسي، بعد إعلان الحكومة النصر على تنظيم داعش. ووفقا لخبراء في القانون، فإنه لم يعد ممكنا منع هؤلاء من الترشّح رغم وجود قناعة بأنّ تخليهم عن السلاح مجرّد إجراء شكلي.

وفي ظلّ مختلف هذه التعقيدات والمشاكل التي تواجه الاستحقاق الانتخابي، رجّحت مصادر سياسية مطلعة في بغداد أن يلجأ رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو رئيس البرلمان، إلى توجيه استفسار إلى المحكمة الاتحادية، بشأن إمكانية تمديد ولاية البرلمان.

ووفقا للدستور العراقي، فإن «مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب أربع سنوات تقويمية، تبدأ بأول جلسة له، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة»، على أن «يجري انتخاب مجلس النواب الجديد قبل خمسة وأربعين يوما من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية السابقة».

وتحتكر المحكمة الاتحادية العليا في العراق حق تفسير النصوص الدستورية، وفقا للقانون النافذ.

وفي حال انتهت الدورة البرلمانية من دون انتخاب مجلس نواب جديد، ستتحول الحكومة إلى «تصريف الأعمال»، ما يعني بقاء حيدر العبادي رئيسا لوزراء العراق، من دون وجود سلطة برلمانية تراقبه.

وبحسب المصادر، فإن تمديد عمل البرلمان، من قبل المحكمة الاتحادية، ربما يطمئن الأطراف السياسية التي تخشى تأجيل الانتخابات، على اعتبار أن مجلس النواب سيلازم الحكومة في البقاء، لحين إجراء انتخابات جديدة.

ووفقا لهذا السيناريو تتداول الكواليس السياسية مجموعة من المقترحات بشأن تأجيل الانتخابات لمدد تتراوح بين 6 أشهر وعامين.

ويقول مراقبون إن الأجواء السياسية في البلاد، لا تقدم أي مؤشرات على إمكانية إجراء الانتخابات، إذ توشك مهلة تسجيل التحالفات الانتخابية على نهايتها، من دون الإعلان عن أي قائمة انتخابية.

ويقول المسؤول السابق في مفوضية الانتخابات، مقداد الشريفي، إن هناك ثلاثة مؤشرات توحي بإمكانية تأجيل الانتخابات.

ويوضح أن البرلمان لم يصادق بعد على الموعد الذي أقرّته الحكومة لإجراء الانتخابات، وهو شرط لإصدار مرسوم جمهوري بهذا الموعد، كما أن مجلس النواب نفسه متعثر في تشريع القانون الذي ينظم إجراء الانتخابات، بسبب خلافات كتله بشأن صيغ احتساب الأصوات.

وفضلا عن هذين السببين، فإن قانون الموازنة عالق في البرلمان، ما يعني أن التخصيصات المالية للانتخابات لا تزال مقيّدة.

ويخلص الشريفي إلى أن «أغلب القوى السياسية غير راغبة في إجراء الانتخابات في موعدها المحدد».

وأصدرت مفوضية الانتخابات تعليمات وصفت بـ«الغريبة»، بشأن قيود المشاركة في الانتخابات. ووفقا لهذه التعليمات، فإن بإمكان الحزب الواحد أن يشكل قائمتين انتخابيتين، وهو ما يمثل، بحسب مختصين، خرقا قانونيا.

لكن مبرر هذه التعليمات، بحسب المصادر «معالجة مشكلة حزب الدعوة الحاكم، الذي لم ينجح في إقناع زعيمه نوري المالكي، ورئيس مكتبه السياسي حيدر العبادي، بالمشاركة في قائمة واحدة خلال الانتخابات».

ويقول الخبير القانوني جمال الأسدي إنّ هدف هذه التعليمات «حل مشاكل حزب الدعوة الإسلامي، والصراع القائم على الرقم واحد بين المالكي والعبادي».

ويوضح الأسدي أنّ هذه التعليمات مخالفة لنصوص الدستور ولروحه، وأيضا لقانون الأحزاب الذي تنص مادته الثالثة على أنّه «لا يجوز أن ينتمي أي مواطن لأكثر من حزب سياسي في آن واحد»، موضحا أن «نص المادة واضح ولا يحتاج تأويلا».

حيث أن للمواطنين الانتماء لحزب واحد ككتلة واحدة لا ككتلتين، لأن الدخول في الانتخابات بقائمتين يعني أن الكتلة انقسمت إلى كيانين سياسيين، وهذا محظور في قانون الأحزاب.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى