نون والقلم

واشنطن وطهران وسياسات المواجهة الغامضة

لم يكن مفاجئاً للحضور في مؤتمر ميونيخ السنوي للأمن أن يحدث كل ذلك التطابق في الرؤى بين وزير الأمن «الإسرائيلي» أفيجدور ليبرمان ووزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس إزاء ما تمثله إيران من خطر وتهديد للمصالح والأمن في إقليم الشرق الأوسط كله وليس فقط لأمن ومصالح «إسرائيل» والولايات المتحدة. فما ورد على لسان الوزيرين لم يختلف كثيراً عن مضامين ما صدر عن لقاء بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة «الإسرائيلية» مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن الأسبوع الماضي. كان ليبرمان واعياً بما يقول عندما تعمد أن يعلن عقب لقاء له في ميونيخ مع ماتيس بأن «المشاكل الثلاث الأساسية التي ستواجه «إسرائيل» والولايات المتحدة هي: «إيران ثم إيران ثم إيران»، ولم يكن خارجاً عن السياق أيضاً تشديده على ضرورة «بناء تحالف حقيقي وناجح لمواجهة الإرهاب الذي تنشره (إيران) في العالم وانشغالها في تطوير الصواريخ والتسلح النووي».

كلام مهم لكن يبقى السؤال: كيف ستتم مواجهة إيران؟

وفق مكتب ليبرمان، فقد اتفق مع نظيره الأمريكي على «إدارة حوار مفتوح وتعاون مشترك من أجل تعزيز أمن «إسرائيل» والحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة». أما السيناتور ليندسي جراهام عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي شارك أيضاً في أعمال مؤتمر ميونيخ للأمن فقد صرح بأنه يعتقد أن الوقت قد حان «كي يواجه الكونجرس الأمريكي إيران فيما يتعلق بما فعلته خارج البرنامج النووي»، وأنه وأعضاء جمهوريين آخرين «سيطرحون إجراءات لتحميل إيران مسؤولية أفعالها». أما السيناتور كريستوفر ميرفي عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ فقد طالب في الجلسة ذاتها التي تحدث فيها زميله جراهام أمام مؤتمر ميونيخ بفرض عقوبات جديدة على إيران تتجاوز تلك العقوبات التي رفعت عنها نتيجة للاتفاق النووي.

لم تتحدد بعد معالم الحرب التي ستخوضها إدارة الرئيس ترامب ضد إيران، كما لم تتكشف أي معالم تقول إلى أي مدى يمكن أن يصل الرئيس دونالد ترامب في استراتيجيته ضد إيران: هل سيلغي الاتفاق النووي، أم سيضاعف العقوبات، أم يرى أن الخيار العسكري المباشر هو الخيار الأنسب، أم سيلجأ إلى خيار محاصرة إيران والتضييق عليها في مناطق نفوذها مع شركاء إقليميين في مقدمتهم «إسرائيل» وتركيا ومن أين ستبدأ المواجهة؟

على الرغم من الضغوط «الإسرائيلية» لتصعيد المواجهة مع إيران في سوريا، إلا أن العراق قد يكون جاذباً للعمل الأمريكي لأسباب كثيرة أولها أنه، وإن كان مركز تفوق النفوذ الإيراني، إلا أنه نقطة ضعف إيران، وإذا فقدت إيران العراق فسوف تخسر كثيراً في سوريا ولبنان وربما أيضاً في اليمن، كما أن العراق هو ساحة تفرد للعمل العسكري الأمريكي دون أي وجود للشريك الروسي، لكن الأهم أن العراق هو بلد الثروة الحقيقية حسب ما لفت الأنظار إلى ذلك الرئيس دونالد ترامب، والذي انتقد بشدة أثناء حملته الانتخابية الانسحاب الأمريكي من العراق دون جني ثمار الأثمان الهائلة التي دفعت هناك، لكنه وبعد أن أصبح رئيساً عاد ليتحدث عن تلك الأثمان وعن الخطر الإيراني في العراق.

إذا كان هذا هو إدراك الرئيس الأمريكي فإن هناك من يدعمون خيار التصعيد ضد إيران انطلاقاً من العراق على نحو ما ورد في دراسة نشرها دينيس روس المساعد الخاص للرئيس السابق باراك أوباما في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، وهو في الوقت ذاته أحد مؤسسي لوبي «متحدون ضد إيران نووية» يطالب روس الإدارة الأمريكية في هذه الدراسة بعزل إيران فوراً ويقول «سيكون لزاماً على الإدارة الجديدة الحفاظ على إجماع الحزبين في الكونجرس بأن الوضع في دمشق وبغداد، والدور الذي تلعبه إيران هناك غير مقبول»، ويرى أن أفضل سبل مواجهة إيران هو «رفع تكاليف استمرار التعنت الإيراني، وبالتحديد من خلال معالجة القضايا الحيوية (خارج إطار الاتفاق النووي) وبشكل خاص تدخل إيران المزمن في المنطقة».

لم يحدد روس كيف يمكن أن تكون المواجهة الأمريكية مع إيران في تلك القضايا وفي مقدمتها العراق. خصوصاً في ظل ردود الفعل السلبية التي أثارتها تغريدة الرئيس ترامب بخصوص «نفط العراق» و«الثلاثة تريليونات دولار» التي أنفقتها الولايات المتحدة في العراق، لكن وزير الدفاع الأمريكي ماتيس حسم هذا كله في تصريحات صريحة وواضحة في أول زيارة له للعراق الاثنين الماضي (20 فبراير/‏ شباط 2017) فقد استغل زيارته الأولى لبغداد لطمأنة العراقيين إلى أن الأمريكيين لا يسعون إلى نهب احتياطي نفطهم، إلا أنه لمحَّ إلى أن الخروج الأمريكي من العراق ليس قريباً، وذلك بناء على فكرة أن الحرب مع «داعش» طويلة، تلميح يقول إن واشنطن تخطط لإعادة ترتيب دور جديد لها في العراق بعد انتهاء حرب الموصل سيكون حتماً على حساب إيران.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى