نون والقلم

هاني سالم مسهور يكتب: عن تفكيك شيفرة “حزب الله”

لافت ما قدمه مركز الإمارات للسياسات من حلقة نقاشية وضع لها عنوان عميق جداً (تفكيك شيفرة حزب الله)، ومن هذا العنوان ومحاولة تفكيك الشيفرة لهذا الكيان الذي وجد في المشهد السياسي اللبناني، فالمتتبع لأدبيات حزب الله يدرك أن هذا الحزب يعتمد في أدائه على السياسة الإيرانية بالتبعية المطلقة، وهو فرع عربي لطهران غرسته المخابرات الإيرانية ليكون ذا صولة وجولة في محيط المنطقة، وليس محصوراً في حدود لبنان فنشاطاته واسعة في سوريا وفلسطين.

حزب الله لم يلد من رحم سويسرا، ولا من ظهر الديمقراطية، بل نشأ على قاعدة القتل والتهجير في الخفاء، والبكاء والعويل واللطميات في الظاهر، وهو أكثر الأحزاب الإرهابية تقية في خطاباته السياسية.

فبالنظر إلى أدبيات الحزب، ولنعد إلى مئات السنين، عن طائفة الحشاشين التي انفصلت عن الفاطميين في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي والتي كانت تتبع الاستراتيجية العسكرية المعتمدة على الاغتيالات التي يقوم بها (انتحاريون) لتحقيق أهدافهم، وتمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات المهمة جداً في ذلك الوقت؛ مثل الوزير السلجوقي نظام الملك، والخليفتين العباسيين المسترشد والراشد، وملك بيت المقدس كونراد.

هذه الطائفة جعل منها حزب الله أنموذجاً له، فهو يضع بندقيته دوماً على طاولة المفاوضات. ولعل ما حدث مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، حين تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، أكبر دليل على ذلك، حين هددوا بتصفية نجله الأكبر تيمور ما لم يمضِ قدماً في تأييد الحكومة.

التاريخ لا ينسى وأهل بيروت لا يحملون ذاكرة السمك، فقد أشرقت شمس يوم السابع من أيار سنة 2008م ليجد اللبنانيون أنفسهم محتلين من ميليشيا حزب الله، أو ما سمي حينها بأصحاب (القمصان السوداء)، ورافقها أحداث أمنية في بيروت وبعض مناطق جبل لبنان بين المعارضة والموالاة، واعتبرت الأكثر خطورة وعنفاً منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1988م.

هذه الأحداث خلفت نحو 71 قتيلاً من كلا الجانبين، واضطرت الدولة أمام إرهاب حزب الله إلى أن تسحب قرارين وزاريين هما: اعتبار «شبكة الاتصالات الهاتفية التي أقامها حزب الله غير شرعية وغير قانونية وتشكل اعتداء على سيادة الدولة والمال العام، والقرار الثاني: هو إقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي العميد (وفيق شقير) من منصبه وإعادته إلى ملاك الجيش».

وقد عمل حزب الله على الدوام على تنفيذ الأجندة الإيرانية، ولم يتوقف أمين الحزب حسن نصر الله عن ترويج الشعارات الجوفاء بالتزامن مع التهجم على المملكة العربية السعودية، التي منذ اتفاق الطائف وحتى اليوم، تدعم لبنان، حكومة وشعباً، وهي الدولة التي سهّلت العملية السياسية فيها، وباركت خطواتها الاقتصادية وكانت أكثر الدول دعماً لصندوق إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية.

الرياض، لم تتخذ إجراءاتها التصاعدية ضد «حكومة» لبنان، نتيجة أفعال قريبة، بل كانت تراكمية؛ إذ ليس من المقبول أن تقوم منظمة إرهابية بدعم المساعي الإيرانية لزعزعة الاستقرار في المنطقة، والتهجم على أكبر دولة إقليمية فيها، ثم تأتي الرياض وتضغط على جرحها كل يوم.

تحاول الرياض التي تقود المحور العربي المناهض لمحور الشر الإيراني أن تعيد لبنان إلى الصف العربي بالكامل، وليس بطريقة جزئية مثلما حدث سابقًا، فليس من المعقول أن يكون لرئيس الحكومة رأي إقليمي بينما يعارضه وزير خارجيته، وليس من المقبول «دوليًا» أن تشارك منظمة مصنفة إرهابية في حكومة ديمقراطية، هذا لا يستوي.

ضرورة مواجهة التهديدات الإرهابية ببذل مزيد من الجهود لحل النزاعات التي تستقطب قوى التطرف في العالم من أجل تجفيف منابعهم. وهذا ما يتعين أن يواجهه العالم لدرء مخاطر تنظيمات إرهابية كحزب الله الذي يرفض السلام والتعايش الوطني من حيث المبدأ نظراً لرؤيته الواسعة نحو بسط النفوذ والتوسع لمصلحة المشروع الإيراني، كما أنه يمثل رأساً من رؤوس العنف الديني نظير الأيديولوجية التي يرتكز عليها.

وفي هكذا سياق يجدر التذكير بتعمد «حزب الله» تنظيم عرض عسكري في منطقة القصير بريف حمص الجنوبي، في نوفمبر 2016، إذ إن هذه الخطوة التي تكشف المؤشرات عن أنها تمت بضوء أخضر من إيران، تمثل إشارة أخرى تسعى من خلالها إيران إلى توجيه الرسالة السابقة الخاصة بدورها في إدارة الصراع في سوريا، خاصة أن الحزب تعمد خلال العرض الكشف عن بعض الأسلحة الأميركية التي يمتلكها، في خطوة لها مغزاها ومفادها أن نفوذ وحضور إيران ليس محدوداً، سواء في لبنان أو في سوريا، وأن أي جهود قد تبذل لتجاوز هذا النفوذ في عملية إعادة صياغة الترتيبات السياسية في سوريا خلال المرحلة القادمة، لن تحقق نتائج بارزة وفقاً لرؤية طهران.

تفكيك «شيفرة» حزب الله قد تكون أعمق إذا أعدنا النظر إلى الثورة الإسلامية الإيرانية التي ولدت في 1979م وتصديرها للثورة إلى العالم العربي والتحولات السياسية في الشرق الأوسط التي صنعت البيئة لخلق ميليشيات مؤدلجة كـ«حزب الله» أو الحوثيين في اليمن أو الحشد الشعبي في العراق، هذه الأذرع العسكرية ليست مجرد أذرع مبتورة، بل متصلة بشبكات مالية ومؤسسات منها تحصل على التمويل المالي وحتى المعنوي ومنه تخاطب الجماهير بامتلاكها الأدوات الإعلامية المتخصصة في مختلف النطاقات.

 

نقلاً عن صحيفة البيان الإماراتية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى