اخترنا لكنون والقلم

ما وراء حملة قطر على الإمارات

دفعت أزمة قطر ما بقي من جحافل «الإخوان المسلمين» وأقصد من لا يزال يفصح عن الميول والتعاطف معهم بعد تجريمهم، ومن خلفهم «الدراويش» كما يسميهم الكاتب السعودي قينان الغامدي، إلى حدودهم القصوى في إظهار مخزون العداء للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.

آخر الحيل والاتهامات السمجة في محاولة إفساد العلاقة بين البلدين اتهام حكومة الإمارات، أو «الدحلانيين» كما يقول البعض، بأنها هي التي تخطط لإلحاق الأذى بدولة قطر وأن السعودية أصلاً لا توجد بينها وبين قطر أي مشاكل.

«الدحلانيون» تعني الانتساب إلى الفلسطيني محمد يوسف دحلان الذي يقال إنه يعمل مستشاراً في ديوان ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد وربما هو واحد من بين العشرات الذين يعملون في ديوان رئاسة دولة كالإمارات، يقولون إنه هو الذي يتحكم بمفاصل القرارات السياسية هناك. هنا هم يعتقدون بأنهم ضربوا عصفورين بحجر واحد. الحقيقة أن جماعة «الإخوان المسلمين» دأبت على إضفاء هذا اللقب على حكومة الإمارات منذ أن قررت الأخيرة طرد الجماعة ومحاكمة بعض أعضائها بتهم الخيانة والإساءة الى أمن الدولة خلال ما يسمى بالربيع العربي. كان قرار حكومة الإمارات آنذاك قاسياً وحاسماً، ولم تتردد السلطات الأمنية هناك في تفعيل تلك القرارات السيادية. هذا بالمناسبة يختلف نوعاً ما عن تعامل السعودية التي جرّمت الجماعة وهددت من يتعاطف معها بالفعل، لكنها ترددت كثيراً في تطبيق ذلك على الأرض. من هنا، فالإمارات تعتبر في نظر جماعة «الإخوان» الأسوأ بين الدول الأربع التي تطالب قطر بالالتزام بمحاربة الإرهاب. مصر بالطبع لديها ما يكفيها من الإعلاميين المناوئين لحكومة عبدالفتاح السيسي ولذلك فهي لا تنال من هؤلاء ما تناله دولة الإمارات أولاً والسعودية فيما بعد.

في السعودية، نحن نفهم مثلاً لماذا نتهم قطر بمحاولة إسقاط الحكومة السعودية، وسبب هذه القناعة بالطبع هو سلوك قطر إعلامياً وسياسياً ولمدة طويلة قبل مجيء الأخ محمد دحلان وحتى قبل أن تتوجه دولة الإمارات إلى تنظيف المكان من التلوث والتغلغل «الإخواني». اتسمت رغبة قطر بالإصرار على رغم الاعتراضات السعودية المؤدبة واللائقة في التعامل مع دولة شقيقة. وكما نعلم فقد تلا ذلك قبل ثلاث سنوات ظهور التسجيلات المعروفة التي وضعت «الآيس» على الكيك كما يقال. عرفنا من التسجيلات أطماع حمد بن خليفة ومساعده حمد بن جاسم ولم يعد لدى أي سعودي أي شك في تلك الأطماع المدمرة لقطر قبل أي طرف آخر. لكن، لماذا يتهمون الإمارات بالتخطيط للهدف نفسه؟ لماذا يتهمون الإمارات بالسعي لإسقاط السعودية؟ ما الأدلة والقرائن؟ ولماذا وكيف؟ هنا نقع في حيرة بالفعل، ذلك أن دولة الإمارات وهي الأولى في منطقتنا في التنمية والانفتاح وهذه من ضرورات تحقيق أعلى المؤشرات في الاقتصاد، شرعت جميع أبوابها للسعوديين من مستثمرين ورجال أعمال وسياح وسهلت كل الإجراءات لهم. أخيراً وبعد قرار التصدي لأطماع إيران في اليمن، نجد أن الإمارات وقفت في الطليعة قولاً وفعلاً مع المملكة بل وفقدت عدداً من أغلى شبابها هناك بسبب ما يتردد عن خيانة وغدر «الأشقاء» في كتيبة قطر المشاركة في الحرب وفق زعمها.

ومع استمرار «عاصفة الحزم» وما تلاها من تحولات، أنفقت الإمارات مع السعودية وبقية الحلفاء البلايين على حملة «إعادة الأمل» وعلى العتاد والذخيرة والأسلحة.

تحتضن دبي كبرى وسائل الإعلام السعودية وعلى رأسها مجموعة MBC العملاقة وقناتا «العربية» و «الحدث»، إضافة الى عدد من مكاتب الصحف ووسائل الإعلام والإنتاج الأخرى.

قناة «سكاي نيوز» الحديثة في أبو ظبي تقف وتؤيد جميع مواقف السعودية، ولم تستضف يوماً سقط المتاع من المهاجرين «المعارضين» للإضرار بسمعة الأشقاء.

لم أسمع أن حكومة أبو ظبي سعت إلى دعم أو تجنيس أي مواطن سعودي بهدف الإساءة لدولته. ولو أتينا بالأرقام فسنرى أن السعوديين يصنفون لدى الإمارات في أعلى قوائم الإنفاق سياحياً، ووجودهم يرفع نسبة إشغال المساكن في دبي في شكل ملحوظ. عدد المستخدمين لطيران «الإمارات» ومطاراتها من السعوديين كبير، إضافة إلى امتلاك الوحدات السكنية في مدن إماراتية عدة سواء بهدف الاستعمال أو الاستثمار. كيف يمكن مع علاقات ومنافع مشتركة واضحة كهذه وغيرها، كيف يفكر أحد مجرد التفكير بأي أدوار مشبوهة تقوم بها الإمارات ضد السعودية؟

ما المكاسب التي قد تحصدها دولة عاقلة كالإمارات من إضعاف دولة محورية وبالغة الأهمية للأمن والاستقرار في المنطقة كالسعودية؟

في كل الأحوال ومع كل الأزمات كما نعلم، هناك فوائد جانبية من كل ما يحدث اليوم. لا شك في أن أزمة قطر عجلت كثيراً في مكافحة العالم بأسره لتمويل الإرهاب ودخلت كل دول العالم في تنافس حميد وسباق محموم للكشف عن أي شبهات. هذه الأزمة كشفت الكثير من ممارسات الدوحة واستخباراتها إلى حدود لم نكن نتصورها. قد توجد لدى أجهزة الدول معلومات لكنها تبقى في العادة طيّ الكتمان. في هذه الأزمة، وجدت الدول الأربع نفسها مضطرة للكشف والإعلان ليطلع العالم على المعلومات. فمثلاً دعم المعارضين للسعودية في الخارج وبمبالغ كبيرة من الأموال القطرية شكل دهشة للكثيرين، خصوصاً أن هذا الدعم ذهب الى شخصيات لا قيمة لها. إعلان الدول الأربع عن قوائم المطلوبين للعدالة بتهم دعم العنف والتطرف والإرهاب لم يكن ليخرج بهذه السرعة وهذه الشمولية والأسماء المحددة لولا إصرار قطر ونفيها لما تُتهم به. في تصوري أن ما خرج ليس إلا بداية «كشف الحساب»، فهناك المزيد من المعلومات والحقائق التي تنتظر الإفصاح عنها.

هل نقول رب ضارة نافعة؟ ربما، على رغم ما يعتصر قلوبنا من الألم تجاه أهل قطر ممن لا ناقة لهم ولا جمل في ما اقترفته حكومتهم. ستستمر آلة التلفيق ومحاولات ضرب العلاقات بين الدول الأربع ولن ينجح أحد.

جميعنا يعرف تلك الحملات التي لم تتوقف ضد السعودية منذ استخدام تنظيم «القاعدة» عبارة «أخرجوا الكفار من جزيرة العرب» قبل عقدين تقريباً وروجت لها قناة «الجزيرة» في يوم ولادتها، لكن وما أن خرج «الكفار» حتى احتضنتهم قطر.

أو تلك الأيام التي تلألأت بها صحيفتا «الشرق الأوسط» و «الحياة» المملوكتان لسعوديين في سماء الصحافة العربية متجاوزتين أعرق الصحف العربية الأخرى وقد سمت فرق «الإخوان» في السعودية إحداها في ذلك الوقت «خضراء الدمن». وأخيراً وليس آخراً قناة «العربية» المملوكة للسعودية وحملاتهم البذيئة ضدها، كل ذلك فقط لأنها سعودية. صفة «الدحلانيين» لتشتيت الحقائق وزرع شعارات الخيانة لم تكن الأولى ولا الأخيرة. ومن يعلم فربما أنها أتت أخيراً وبكثافة كمصطلح مضاد لـ «خلايا عزمي» نسبة إلى المستشار عزمي بشارة وأدواره الفاضحة والمعلنة في قطر. سيبحثون عن أي منفذ أو مصطلح يستطيعون من خلاله التلاعب بالعقول وتشكيك العامة بالقيادات وسيجاهدون في صنع الخلافات بين الدول، غير مدركين عوامل الزمن والتغيرات الهائلة التي تعصف بالعالم.

المؤلم أن هؤلاء هم من راهنت عليهم الشقيقة قطر مع الأسف وهي السبب في وجودهم «أحياء» ويملكون المنابر ويشعلون الضجيج حتى الآن.

نقلا عن صحيفة الحياة

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى