نون والقلم

في الأزمة القطرية..مطلوب حلول لا مسكنات

خطاب الأزمة القطرية شديد البساطة..شديد التعقيد..

من قدَّروا الأزمة بحجم الكتلة الجغرافية أو السكانية لقطر توقعوا نهاية سريعة لها، ومن قدَّروا الأزمة بمعايير الأخلاق العربية في بيئة ترتاح لعنوان ( خليجنا واحد) بدوا مصدومين مرتين: الأولى بسبب المدى الذي ذهبت إليه الدوحة في الخصومة باستدعاء كل الطامعين الى منطقة طال ليلها، والثانية بسبب تداعي أصحاب المصالح وطلاب المنافع على قصعة الخليج الواحد، حتى بات الواحد منهم لا يكاد يذكر إلا نفسه، شقيقاً كان أم صديقاً.. وحليفاً كان أم عدواً.

السياسة بلا قلب، لا تحزن ولا يعتريها الشجن، ومهمة السياسي تخضع لأدوات قياس مادية يسهل رصدها على ترمومتر المصالح، ويتعين عليه إنجازها بقلب جامد وعقل بارد.

-لا يجوز في السياسة مثلاً أن نكتفي بإبداء الغضب أو الاستياء من سلوك سياسي في الأزمة القطرية نرى فيه شبهة انتهازية لحليف أو صديق، فمهمة هذا الحليف أو ذاك الصديق هي تحقيق وحماية مصالحه هو لا مصالحنا نحن، ومهمتنا نحن هي تحقيق مصالحنا نحن وحمايتها، وفي سبيل إنجاز تلك المهمة فقد نكون مطالبين باستكشاف نقاط تقاطع المصالح أو التقائها، للتحرك منها أو بها على نحو آمن باتجاه إقناع الشركاء بأن ثمة مكاسب لكلينا، وأن ثمة التقاء مصالح عند هدف مشترك تمت صياغته بدقة.

اختلاف الأولويات في الأزمة القطرية، بين الدول الأربع وبين دول تقول إنها تسعى للوساطة، يسمح للأزمة بالتمدد. وقد ينتج عنه بعض الفتور بين أطرافه، ما يقتضي حواراً يعيد ترتيب الأولويات ويضبط مصطلحات الأزمة.

لا اختلاف في الظاهر حول أولويات الوسطاء الغربيين في الأزمة وبين أطراف الأزمة أنفسهم، فالأولوية كما يقول ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأمريكي هي لمحاربة إرهاب داعش بصفة خاصة وكل ما يتصل به من إرهاب. وهو نفس ما تقوله الدول الأربع التي ما دخلت في أزمة مع قطر سوى بسبب دعم الأخيرة للإرهاب.

تقول أمريكا أنها تريد وقف المد الايراني في المنطقة، وأنها تخشى أن تقع الموصل والرقة في قبضة إيران بعد هزيمة داعش، ويحذر هنري كيسنجر من قيام إمبراطورية إيرانية حال سقوط داعش ما لم يتم تهيئة بديل (سُنِّي) مناسب. وتشير التقديرات العسكرية والاستخباراتية الى سقوط نهائي وشيك لدولة داعش في العراق والشام، محذرة من توابع خطيرة لهذا السقوط ما لم تتهيأ المنطقة لمواجهة تبعاته.

ضمن متطلبات الاستعداد لهذه الاستحقاقات الحرجة كما يراها كيسنجر وتيلرسون، تأتي مهمة (تسكين) الأزمة القطرية، لكن منطق تيلرسون يغفل أن السبب الرئيسي وربما الوحيد للأزمة مع قطر هو انخراطها في دعم وتمويل ورعاية جماعات إرهابية تلتحف جميعها بالدين مثلها مثل داعش، كذلك يغفل منطق تيلرسون أن السلوك القطري هو من يستدعي طهران إلى خاصرة الخليج، وهو ما يسهل لإيران تحقيق أهدافها في الهيمنة على الخليج.

مواجهة الإرهاب تقتضي تصويب سياسات قطر، والتصدي لأطماع إيران يقتضي إعادة تموضع قطر تحت سقف الخليج وداخل أطره الأمنية والسياسية والإستراتيجية. لكن إنجاز هذه الأهداف يتطلب موقفاً حاسماً من الحلفاء الغربيين في مجملهم ومن وزارة الخارجية الأمريكية بصفة خاصة.

تراهن قطر على طمع أصحاب المصالح في الغرب للتهرب من استحقاقات لابد منها لإنهاء الأزمة من جهة، وللتفرغ لمواجهة استحقاقات ما بعد سقوط داعش من جهة أخرى.

لا يبدي البعض في عواصم الغرب تفهماً أو استيعاباً لحقيقة أنه لا يمكن تحقيق انتصار كامل في الحرب على داعش بما يحرم طهران من جوائز هذا الانتصار دون فض الارتباط بين قطر وبين الإرهاب أولاً، غير أن الدول الأربع المناهضة للإرهاب والمنخرطة بالفعل في محاربته تدرك جيداً تلك العلاقة، وتعرف أنه لا هزيمة كاملة لداعش ولا إحباط حقيقي لمخططات طهران سوى بهزيمة من يدعمون الإرهاب في قطر أولاً…

الخلاف مع بعض الوسطاء حول أولويات التعاطي مع الأزمة القطرية لا يمكن أن يكون ثانوياً، ولا يمكن تهميشه أو إدارته بهدف التربح منه.

لا بديل عن موقف أخلاقي يستوعب حقائق ما يجري في الإقليم ، وما يمكن أن تقود إليه من مآلات، ولا بديل عن تصويب بوصلة المصالح، وضبط مصطلحات الأزمة من أجل تحقيق غاياتها النهائية باستعادة قطر تحت السقف الخليجي وبين جدرانه،وبحرمان طهران من جوائز حرب على داعش سدد العرب وما زالوا يسددون فواتيرها الباهظة من صميم وجودهم ومن مستقبل مستحق لأجيالهم المقبلة.

طهران مثل كوريا الشمالية،هي مشكلة للنظام الدولي برمته كدولة مارقة، وداعش مشكلة النظام الدولي برمته كتهديد مباشر للحضارة الإنسانية كلها.أما سياسات قطر فهي تهديد مباشر لأمن الخليج وسلامة دول المنطقة بسبب علاقتها بكل من طهران وجماعات الإرهاب الذي يضرب اليوم في كل عواصم الغرب دون استثناء.

بدون حرمان الإرهاب من الدعم القطري، لن يكون العالم أكثر أمناً، وبدون حرمان إيران من قطر لن تكون هزيمة طهران ممكنة.. الطريق الى تخليص المنطقة من التهديدات الإيرانية أصبح ذا اتجاه واحد يمر حتماً عبر استعادة الدوحة إلى بيت الأسرة الخليجي.

نقلا عن صحيفة المدينة

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى