نون والقلم

عوني صادق يكتب: « الأونروا ».. وحق العودة

في الأسابيع الأخيرة، وتحديداً منذ قرر الرئيس الأمريكي تخفيض المساعدات التي تقدمها بلاده لـ«وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين- الأونروا » في سياق تهديداته وضغوطه على السلطة الفلسطينية للقبول بما يسميه «صفقة القرن» والعودة إلى طاولة المفاوضات العبثية، لم يتوقف سيل المقالات حول هذا الموضوع. ويلفت النظر في كل ما نشر من مقالات وما صدر من تصريحات عن جهات بعضها رسمية وبعضها شعبية فلسطينية وعربية، فضلاً عن كون بعضها دولية، وكلها كانت ترفض وتستنكر ذلك حتى وصل الأمر إلى الأمين العام للأمم المتحدة. وحدهما دويلة الاحتلال ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، فرحا ورحبا بإجراءات الإدارة الأمريكية، وأكدا على ضرورة إنهاء أعمال (الأونروا) على أساس أن وجودها «يكرس قضية اللاجئين وحق العودة»!

وليس خافياً على أحد أن «خطة ترامب لإحلال السلام في الشرق الأوسط» و«حل الصراع الفلسطيني- «الإسرائيلي»، وما عرف باسم «صفقة القرن» التي بها سيحقق الرئيس الأمريكي ما عجز عن تحقيقه الأوائل من أسلافه، هذه الخطة لا تعدو كونها تتلخص في التخلص من «القضايا الشائكة» في «الصراع الفلسطيني – «الإسرائيلي» والقضية الفلسطينية، وهذه هي ما يطلق عليها «قضايا الحل النهائي» التي أجلها (اتفاق أوسلو)، وذلك بفرضها بالقوة وليس بالمفاوضات. وما مطالبته السلطة الفلسطينية والضغوط التي يمارسها عليها للعودة إلى طاولة المفاوضات، إلا دعوة للتوقيع على رزمة التنازلات المطلوبة منها تحقيقاً لهذه الغاية. ومعروف أن هذه القضايا هي: القدس والمستوطنات والحدود والمياه، وحق العودة، فبدأ بالقدس والمستوطنات، وهو يتحرك نحو حق العودة.

المهم واللافت أن هناك ما يشبه الإجماع، فلسطينياً وعربياً، أن التنديد والاستنكار والدعوة لإفشال إجراءات ترامب في شأن (الأونروا) ناجم عن القناعة بأنها تأتي تساوقاً مع السياسة «الإسرائيلية» لإنهاء أعمال الوكالة الدولية وبهدف إنهاء وجود «الشاهد التاريخي والأممي على كارثة تهجير الشعب الفلسطيني من وطنه» وصولاً إلى إلغاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، خوفاً من أن إنهاء أعمال الوكالة سيؤدي آلياً إلى إلغاء حق العودة! والمعروف أن (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين- الأونروا) تأسست في العام 1949 وبدأت أعمالها في العام 1950، ارتباطاً مع القرارين رقم (181) الخاص بالتقسيم، ورقم (194) الذي أكد على حق العودة، وحتى إعادتهم إلى المدن والقرى التي هجروا منها. لهذا، فإن الذين يربطون بين تقليص المساعدات المقدمة للأونروا تمهيداً لإنهاء أعمالها وبين إلغاء حق العودة يوقفون الهرم على رأسه! والسؤال هو: ما الذي أوجد الآخر: حق العودة أم (الأونروا)؟! إنه من نافل القول إن إنهاء عمل (الأونروا) لا يلغي حق العودة بأي حال، إنه يمكن أن يحمل قدراً إضافياً من المعاناة لملايين اللاجئين الذين يتلقون مساعداتها لكنه لا يمس حق العودة. فهذا الحق لم تنشئه (الأونروا) بل هو الذي أنشأها. وكان يفترض لو تم الالتزام بتنفيذ القرار (194) أن تنتهي أعمال (الأونروا) بعودة اللاجئين.

إنه بالنظر لموضوع (الأونروا) من زاوية أخرى ربما تكون أحق بالنظر، يمكن أن نتبين أن الغرض من إنشاء (الأونروا) لم يكن – أو هكذا انتهى الأمر- أداة لتثبيت حق العودة الفلسطيني، بل كان أداة لتخدير الفلسطينيين ومنح «الإسرائيليين» الوقت ل«تمويت» القضية و«تمويت» هذا الحق، والاستيلاء على كل فلسطين، كما أظهرت الأحداث اللاحقة، وخصوصاً بعد التوقيع على (اتفاق أوسلو) وبدء (عملية السلام) برعاية أمريكية، بينما كانت بسبب تلك الرعاية تتراجع أهمية القضية وحضورها على المسرح الدولي. وبالطبع، قد يستطيع ترامب أن ينهي وجود (الأونروا) استجابة لأصدقائه المحتلين، لكنه بالتأكيد لن يستطيع أن يجبر الفلسطينيين على التخلي عن حقهم في العودة إلى وطنهم،.

إن الشعب الفلسطيني الذي زرع كل أرض فلسطين بالشهداء، وملأ السجون «الإسرائيلية» بالمعتقلين، على مدى قرن كامل، لن يتخلى أبداً عن حقوقه في وطنه. ويبقى واجب الأمم المتحدة، وجمعيتها العامة على وجه التحديد، أن تعملا جاهدتين لتنفيذ قراراتهما، وأن تتمسكا على الأقل بواحد من هذه القرارات التي تعد بالعشرات بل بالمئات وكلها كانت لصالح الشعب الفلسطيني وحقه في العودة إلى وطنه.

 نقلا عن صحيفة الخليج

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى