اخترنا لكنون والقلم

عن « المجلس »… رداً على حُجج «المُرجئة»

ينطلق الداعون لربط انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني بإتمام المصالحة، من فرضيتين: الأولى، ان انعقاده من دون حماس سيكرس المصالحة، لكأن عشر سنوات من الانقسام، لم تكن كافية لتكريسه، أو لكأن دخول حماس للمجلس، سيدفعها لتسليم قطاع غزة لسلطة واحدة وشرعية واحدة … والثانية، أن انضمام فصيل أو فصيلين لمعسكر مقاطعي المجلس، سيفقده نصابه، لكأن هذه الفصائل ما زالت تحتفظ بجيوش جرارة من المؤيدين والمتعاطفين، أو أن الشعب الفلسطيني ما زال موزعاً على الفصائل، ولا شيء غيرها أو خارجها.
يا سادة يا كرام، ليست المسألة على هذا النحو اطلاقاً، وقليل من الصراحة والمكاشفة، يبدو ضرورياً لفهم المسألة، حتى لا تستمر حالة التكاذب والنفاق التي تطبع مواقف بعض النخب الفلسطينية … حماس لم تكن يوماً جزءاً عضوياً من الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، فهي منذ انطلاقتها، اختطت مساراً موازياً (على أمل أن يكون بديلاً) لهذه الحركة، هذا لا يعني نزع «الوطنية» عن الحركة، فلست من حملة الأختام وصكوك الغفران الذين امتهنوا توزيع الشهادات أو حجبها.
وحماس بنت لنفسها منازل كثيرة في قطاع غزة، وعلى دعاة الربط بين انعقاد المجلس واتمام المصالحة، أن يقنعونا بأن الحركة على استعداد للتخلي عن نفوذها المهيمن على القطاع، نظير أية صفقة شاملة لإتمام المصالحة، بما فيها إرجاء انعقاد المجلس إلى حين تصاعد الدخان الأبيض من مقر الحركة في القطاع أو الدوحة … حماس في هذا تشترك مع فتح: ما لكم لنا ولكم، وما لنا، لنا لوحدنا… قد تقبل حماس بصيغة «حضور رمزي وشكلي» لحكومة الوفاق، وبعناصر أمنية ومدنية على المعابر، وبوزارات تدار من رام الله، نظير حل ضائقتها الاقتصادية تفادي اختناقها بغزة، بيد أنها لن تقبل بتسليم فعلي للسلطة، ولن تسمح ببناء قوة موازية أو منافسة لها في القطاع، ولن تعدم حجة أو ذريعة لفعل ذلك… نقول ذلك بعد عشر سنوات عجاف من الانقسام، وأرجو أن أكون مخطئاً، ومن بحوزته دليل آخر أو مقاربة أخرى تثبت عكس ما نقول، سأكون ممتناً لو يطلعنا عليها.
ثم، إن الذين يربطون عقد المجلس بإتمام المصالحة، عليهم أن يقنعونا بان الأخيرة يمكن أن تتحقق خلال أسبوع أو اثنين، شهر أو شهرين، سنة أو سنتين … هم ينادون بذلك منذ سنوات، وتحولت المصالحة إلى مشاريع و«بيزنيس» ومبادرات، ولكن الفلسطينيين لم ينجزوا مصالحة، ولم يبعثوا للحياة بمنظمتهم ومجلسهم الوطني، حتى ظننا، وليس كل الظن اثما، إن ثمة تواطئ متبادل بين طرفي الانقسام، على معادلة ربط المجلس بالمصالحة، طالما أن النتيجة، هي إبقاء الحال على ما هو عليه.
ولماذا الافتراض بأن انعقاد مجلس وطني، يعني حكماً انسداد أفق الحوار والمصالحة، أليس من مصلحة حماس وحلفائها أن يتحاوروا مع قيادة جديدة ومنتخبة، بدل التعامل مع هياكل شائخة ومطعون في شرعيتها؟ … وما الذي يمنع من الدعوة لمجلس آخر جديد، حين تكتمل فصول الحوار وتستكمل شروط المصالحة، سواء تم ذلك خلال أشهر أو سنوات.
أما حكاية «النصاب الفصائلي»، فتلكم ذريعة مفرطة في سذاجتها، سيما وأن كل فلسطيني في الداخل والشتات بات يدرك تمام الإدراك، أن الفصائل ضاقت بشعبها ونخبه الحديثة، وأنها لم تعد الشكل الأمثل لتأطيره وتمثيله، وأن وجود كثير منها في صفوفه يكاد يكون «رمزياً» أو «مايكروسكوبياً»، فلماذا الإصرار على بعث العظام وهي رميم؟ … ولما التمسك بأطر وهياكل ميتة أو في حالة «موات سريري»؟ … الفصائل كانت ذات يوم ذخراً لهذا الشعب ورافعة من روافعه، قبل أن تشيخ وتترهل، وتتحول إلى عبء عليه، وقيد على انبثاق الجديد، وعقبة على طريق بعث وتشبيب الحركة الوطنية الفلسطينية.
عن أي مجلس وطني نتحدث؟
يبدو السؤال مهماً، سيما بعد التسريبات التي تحدثت عن رغبة الرئيس عباس في إنجاز الاستحقاق قبل توجهه للأمم المتحدة الشهر المقبل، معنى هذه الرغبة، أن الرئيس يريد أن يعقد المجلس بمن حضر، وأن يستدعي الوجوه الهرمة إياها، وأنه ما زال يراهن على لعبة «القضاء والقدر» لتجديد النخبة الفلسطينية … هذا ليس المجلس الوطني الذي نتحدث عنه.
نحن نتحدث عن مجلس ينتهي إلى تجديد منظمة التحرير وبعثها، وعن انتخاب الممثلين حيثما أمكن، وبعد بذل جهد جهيد لجعل إجراء الانتخابات أمراً ممكناً … نحن نتحدث عن عضوية تمثل الجيل الثاني والثالث للنكبة، واعتماد معيار الكفاءة والانجاز عند الاختيار، ووضع معايير شفافة ونزيهة للاختيار، تحت الشمس وليس في الغرف المظلمة … نحن نتحدث عن مشوار تجديد المنظمة بمؤسساتها ومنظماتها واتحاداتها الشعبية.
قد يقول قائل، بأنك حالم، وأن ما تذهب إليه هو ضرب من التمنيات، أو بيع الأوهام … قد أكون كذلك، لكنني على يقين بأن المطالبة بعقد مجلس وطني جديد، يجري اختيار أعضائه بالطريقة التي أشرنا إليها، هو المطلب الذي يجب أن يلتف حوله الشعب الفلسطيني ونخبه الحديثة وطلائعه الكفاحية، وليس شعار «الإرجاء»، أو ربط المسألة برمتها بقبول حماس أو رفضها.
هنا والآن أيضاً، يتعين على «المرجئة» المتذرعين بأن المجلس الذي سيدعو الرئيس لانعقاده، هو طبعة مزيدة ومنقحة قليلاً عن المجلس المتقادم، أن يقنعونا كذلك، بأن مشاركة حماس وبعض الفصائل في المجلس القادم، ستأتي بنسخة مغايرة عن المجلس القائم، أو أن هذه الفصائل لن تتواطأ مع الرئيس على «إبقاء القديم على قدمه»، إن هي ضمنت نصيبها في «المحاصصة الفصائلية» … ألم يظهروا الاستعداد ألف مرة من قبل، بأنهم يفضلون «المحاصصة» على الانتخاب، والقديم على الجديد، وأنهم يخشون التجديد والمفاجآت والخطوات غير المحسوبة؟
نريد مجلساً جديداً، يُمَهد له بانتخابات للاتحادات الشعبية، وللفصائل أو بقاياها ما أمكن، ونريد حصة وازنة من هذا المجلس للطاقات الخلاقة والمبدعة من الفلسطينيين من خارج هذه الفصائل، وعبر الانتخاب ما لم يتعذر ذلك بصورة حاسمة … وهذه عملية قد تستغرق ما بين ستة أشهر إلى سنة، نريد مجلساً يؤسس لاستنهاض الحركة الوطنية الفلسطينية، بعد أن بلغت من الكبر عتيّا، لا مجلس يتداعى على عجل ومن دون جدول أعمال مدروس، ولا نتائج ملموسة، وبأعضاء تكاد أرجلهم لا تحملهم، فإن أقبلت حماس على المشاركة، فهذا خبر سار لجميع الفلسطينيين، وإن أدبرت، فالباب سيظل مفتوحاً، وسيكون هناك مجالس قادمة، وربما بعد عامين أو ثلاثة أعوام، وليس بالضرورة بعد عقدين أو ثلاثة عقود.

نقلا عن صحيفة الدستور

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى