نون والقلم

عبد الحميد المجالي يكتب: رسائل سياسية وليست ضـربة عسكرية!

أوصاف عديدة يمكن ان توصف بها الضربة العسكرية الثلاثية الامريكية الفرنسية البريطانية لمواقع في سوريا، والتي شغلت الرأي العام طيلة الايام الماضية حول حجمها واهدافها، وحول ما اذا كانت ستقع فعلا، ام ان الرئيس الامريكي الحالي ترمب سيكرر ما فعله اوباما عام 2013 بعد ان تخلى عن الاسلحة الكيماوية كخطوط حمراء.

وقبل الحديث عن الحجم والاهداف، فان اي ضربة غربية من اي جهة كانت لها من المحددات والموانع، ما يجعل التنبؤ بمساراتها امرا يسيرا ولا يحتاج الى تعقيد في التحليل او الاستنتاج.

واول هذه المحددات، هو ان الدول الغربية، وخاصة الدول الكبرى لها حساباتها المعقدة في التعاطي مع الازمات العالمية، خاصة اذا كان هناك دولة كبرى مثل روسيا طرفا مباشرا او غير مباشر فيها. فحسابات التعامل مع الازمة السورية ومع غيرها في هذه الحالة تقوم على تجنب اي عمل يؤدي الى صدام مع روسيا كدولة كبرى نووية صعدت من وتيرة نشاطها العالمي في السنوات الاخيرة، وجعلت من كرامتها وكرامة الوطنية القومية الروسية عنوانا لسياساتها الخارجية عبر العالم.

فالصدام مع روسيا ممنوع ومحظور، وليس مطلوبا في هذه الظروف وفي اي ظروف اخرى. واي تجاوز لهذا المحدد يعني الجنون بعينه لانه يعني حربا عالمية ثالثة.

وثاني هذه المحددات ان الدول الغربية ورغم موقفها من النظام السوري، الا انها لا تسعى الى اسقاطه على الاقل في الوقت الحاضر. قائلة انه لا بديل جاهزا له حتى الان في حال غيابه.

والثالثة: هي الاخذ بعين الاعتبار ضرورة تجنب اي عمل عسكري يؤدي الى وقوع حرب اقليمية شاملة في المنطقة، ليس هذا هو وقتها وليست هذه  ظروفها، وخاصة اذا كانت الحرب هي بين اسرائيل وايران.

فالصدام مع ايران في سوريا قادم في الوقت المناسب، وعندما تنضج الظروف، والظروف الحالية لا تزال غير مواتية في معظم جوانبها.

من هنا جاءت الضربة الثلاثية لمواقع في سوريا محدودة وحجمها اقل مما كان متوقعا، واقتصرت على اهداف تقول الدول الغربية انها مواقع تحوي اسلحة كيماوية او تصنعها، وان الضربة ادت الى اضعاف قدرة النظام على استخدام الاسلحة الكيماوية مرة اخرى. وتقول ايضا ان الرسالة وصلت الى النظام السوري وهي ان استخدام الكيماوي مرة اخرى سيعني استخدام القوة مرة اخرى ايضا.

غير انه لم تكن هناك رسالة واحدة فقط. فالرسائل كانت متعددة واكثرها قوة وجهت الى روسيا وايران، ومفادها ان الغرب وخاصة الولايات المتحدة ما زالت لاعبا اساسيا في الازمة السورية وان انفراد روسيا وتركيا وايران بالقرار والمصير السوري ليس حقيقيا وانما مجرد جهد ينقصه الاخذ بعين الاعتبار مصالح ونفوذ دول كبرى وخاصة الولايات المتحدة.

فالسياسة لم تكن غائبة عن ثنايا الحديث عن الضربة الغربية قبل واثناء وبعد وقوعها.

فوزير الدفاع الامريكي شدد قبل يوم من الضربة على ان بلاده تؤيد تسوية سياسية للازمة السورية وفقا لمسار جنيف، وهو ما اكد عليه ايضا الرئيس الفرنسي ورئيسة وزراء بريطانيا. اي ان جهود روسيا وتركيا وايران في استانا وسوتشي وغيرها مجرد جهود غير مجدية، وان العودة الى مسار جنيف الذي تجاهلته روسيا والنظام في الاونة الاخيرة لابد منها وان يشكل قاعدة للعمل السياسي بشأن سوريا.

إن هذه الرسالة هي ابلغ الرسائل التي وجهتها الدول الغربية من وراء الضربة العسكرية المحدودة التي يمكن وصفها بانها رمزية،  والتي وظفت كساعي بريد يحمل رسائل للاطراف المعنية، علما بان النتائج العسكرية للضربة كانت ليست ذات بال. وقديما وحديثا يقال ان الحرب هي ممارسة للسياسة بأدوات لها طابع العنف.

نقلا عن صحيفة الدستور الأردنية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى