اخترنا لكنون والقلم

صواريخ علي عبد الله صالح التي هدد بها السعودية

لا نجادل بأن جماعة «انصار الله» الحوثية تحتل مكان الصدارة على قائمة اعداء الاسرة الحاكمة في الرياض، لكن العداء السعودي الاكبر هو للرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي اذا ذكرت اسمه ثلاث مرات امام اي مسؤول كبير فيها فإنه سيغمى عليه فورا، من شدة الحقد والكراهية لهذا الرجل، الذي يجمع الكثيرون على انه احد ابرز دهاة اليمن، ان لم يكن ادهاهم، فمن يجرؤ على حكم اليمن «الموحد» اكثر من ثلاثين عاما؟

الحقد السعودي على الرئيس صالح نابع من كونه كان حليفا رئيسيا لهم في اليمن، وكتبت له حياة جديدة بعد ان انقذوه من موت محقق عندما جرى نقله الى الرياض وهو يتأرجح بين الحياة والموت بعد نجاته من محاولة اغتيال استهدفته في مسجد الرئاسة اثناء ادائه، ومجموعة من مساعديه الخلص، صلاة الجمعة.

يقارن البعض معاملة المسؤولين السعوديين للرئيس صالح بمعاملتهم للسيد سعد الحريري، وقبله والده رفيق، والآن عبد ربه منصور هادي، رئيس اليمن «الشرعي»، فالقاعدة تقول انه ما دمت قبلت ان تكون حليفا للقصر السعودي، فإن عليك ان تكون تابعا، وهذه القاعدة التي رفضها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كانت وما زالت العقدة الرئيسية امام منشار تطور العلاقات السعودية المصرية، وهذه قصة اخرى.

***

نعود الى الرئيس صالح، ونقول ان احد ابرز اسباب مراوحة التدخل العسكري السعودي في اليمن مكانه، وعدم تحقيق اي من اهدافه سلما او حربا، هو الموقف الرسمي السعودي العدائي من الرئيس صالح، (طبعا لا ننسى صمود اليمنيين المدافعين عن ارضهم وكرامتهم في وجه العدوان)، فالامراء السعوديون الكبار تفاوضوا مع نظرائهم الحوثيين في الرياض وظهران الجنوب، رغم انهم «عملاء» المجوس، و«عبدة النار»، و«ابناء المتعة»، حسب الادبيات السياسية السعودية، وتوصلوا معهم الى اتفاقات، وتفاهمات، ولكنهم رفضوا رفضا مطلقا اي حوار مع الرئيس صالح، وربما هذا من اسباب فشل الحوار مع الحوثيين، وانهيار الاتفاقات التي نتجت عنه.

مصدر يمني موثوق اكد لنا ان دولة الامارات حاولت ان تفتح حوارا بين هؤلاء، اي السعوديين، والرئيس صالح عبر قناة ابنه احمد الذي كان سفيرا في ابو ظبي، وما زال يقيم فيها، وفعلا ارسلته على ظهر طائرة خاصة الى الرياض قبل ثلاث سنوات للقاء الامير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، وكان الهدف احداث شرخ في التحالف «الحوثي الصالحي»، وهي مبادرة وصفت بأنها ذكية بالنظر الى التحالف «المصلحي» بين الطرفين (صالح والحوثي)، حسب التحليل الاماراتي، حيث قاتل الاول الثاني ست مرات، ولكن اللقاء لم ينجح بسبب المعاملة المهينة التي تلقاها نجل الرئيس اليمني السابق من قبل مضيفه السعودي، الذي اصر على تفتيشه ذاتيا، وتهجم على والده بطريقة بشعة، ووصفه بنكران للجميل.

القيادة السعودية ارادت اكثر من مرة التخلص من الرئيس صالح قتلا، وكان آخر محاولة يوم 15 تشرين الاول (اكتوبر) الماضي، عندما قصفت طائرات عاصفة حزمها مجلس عزاء في صنعاء، بعد وصول معلومات عن وجوده، اي الرئيس صالح، في المجلس، فكانت النتيجة مجزرة راح ضيحتها 140 شخصا اعترفت لجنة التحقيق السعودية بارتكابها، واكدت انها تمت بناء على معلومات مغلوطة.

امس الخميس خرج الرئيس صالح من مخبأه، وترأس اجتماعا لامانة حزب المؤتمر الذي يرأسه في محافظة البيضاء، وخرج مهددا القيادة السعودية ودول التحالف المنضوية تحت لوائها، بأن لديه صواريخ بعيدة المدى لم تستخدم بعد، وقال لهم بلهجة تحد انزلوا الى الميدان، وقاتلوا كفارس لفارس، وحذرهم «الطائرات والصواريخ الامريكية التي حولت اليمن الى حقل تجارب فشلت في افغانستان وستفشل في اليمن»، وخاطبهم «اوقفوا طلعات طيرانكم سنوقف صواريخنا وتعالوا للحوار»، وختم خطابه بعبارة استفزازية “نحن منذ 26 آذار (مارس)، اي يوم انطلاق طائرات «عاصفة الحزم» في عدوانها واقفون وقوف الرجال والجبال.. لن نحني هاماتنا للاطلاق امام 16 دولة عضو في التحالف تعتدي علينا”.

لا نستبعد ان ما يقوله الرئيس صالح عن وجود صواريخ بعيدة المدى لم تستخدم بعد صحيح، فاذا كانت صواريخ ايران وتكنولوجيتها المعقدة والمتقدمة وصلت الى قطاع غزة المحاصر الذي لا تزيد مساحته عن 150 ميلا مربعا، فإنه ليس من الصعوبة وصولها الى اليمن الذي يطل على الفي كيلومتر من الشواطيء المفتوحة على المحيط الهندي والبحر الاحمر، حيث لا تبعد ايران الا مئات الكيلومترات فقط.

الصاروخ اليمني (يوخند) الذي اصاب الفرقاطة السعودية امام ميناء الحديدة، وقتل واصاب بعض بحارتها (الحوثيون يقولون انه زورق صغير يقودة انتحاري)، ونظيره الآخر الذي قصف سفينة اماراتية قبله، وفي المكان نفسه تقريبا، احد الادلة على دخول التحالف «الحوثي الصالحي» عهد الصواريخ الايرانية من اوسع ابوابه، الامر الذي سيزيد من تعقيدات الحرب اليمنية في المستقبل القريب.

فإذا كانت «عاصفة الحزم» تتحالف مع دونالد ترامب، وتنفق المليارات لشراء طائرات وصواريخ وذخائر حديثة من امريكا وبريطانيا والمانيا، فلما تستغرب «دول العاصفة» لجوء اليمن الى ايران بحثا عن السلاح بعد ان طال امد الحرب، وفشلت المفاوضات، واعلنت احدى منظمات الامم المتحدة ان سبعة ملايين يمني يعيشون على وجبة واحدة في اليوم، واحيانا نصف وجبة، وان هناك 750 الف طفل يعانون من سوء التغذية، هذا اذا وجدت.

***

تهديد الرئيس صالح بالصواريخ بعيدة المدى قد يعتبره البعض نوعا من الدعاية، ولكننا، وحسب معلومات موثقة لدينا، لا نراه كذلك، ويجب اخذه يعين الاعتبار، لان المكابرة والاستكبار في هذا المضمار تعطي نتائج عكسية تماما.

جون كيري وزير الخارجية الامريكية السابق فهم الوضع الحقيقي في اليمن، وتقدم بمبادرة تطالب بقيادة يمنية جديدة وتشكيل حكومة وحدة وطنية، والهدف هو تقديم سلم للسعودية وحلفائها للمنزول عن شجرة الحرب، ولكنها رفضتها بضغط من حلفائها.

حلفاء السعودية يجلسون الآن وجها لوجه مع ممثلي السلطات السورية في جنيف بعد تمنع طال، وليس امام القيادة في الرياض غير فعل الشيء نفسه مع التحالف «الحوثي الصالحي»، والتخلي عن معادلة التبعية وثقافة الكفيل مع اليمنيين، فسقوط اللواء احمد سيف اليافعي، نائب رئيس هيئة اركان الجيش اليمني التابع لهادي بصاروخ حوثي استهدف موكبه خارج ميناء المخا، مؤشر خطير، يضاف الى مؤشرات اخرى، تفيد بأن استمرار الحرب في اليمن ليس في صالحها وتحالفها، فيوما بعد يوم بتنا نكتشف ان الصواريخ باتت اكثر دقة وابعد امدا.

«التحالف العربي» الذي شكلته السعودية بزعامتها لم ينجح حتى الآن في دخول صنعاء فاتحا، فليدخلها ممثلوه مفاوضين، وبحضور جميع الاطراف، ودون وسطاء لوقف الحرب وتقليص الخسائر، فاليمن لم يكن، ولن يكون، تحت وصاية او كفالة احد، والتاريخ الذي يمتد لآلاف الاعوام خير شاهد على ما نقول.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى