نون والقلم

د. محمد السعيد إدريس يكتب: صدمات إسرائيل مع ترامب

رغم كل ما قيل ويقال عن الضربة الثلاثية الأمريكية – الفرنسية- البريطانية لسوريا فجر السبت الماضي من ناحية الأهداف والنتائج، فإن صدمة «الإسرائيليين» تفوق كل الصدمات، ودفعتهم، سواء عن عمد أو غير عمد، للانقلاب على الرئيس الذي تحالف معهم كما لم يتحالف أحد، ولم يتردد في نقل سفارة بلاده إلى القدس ويستعد ليشارك في احتفالات الذكرى السبعين لتأسيس الدولة العبرية (ذكرى النكبة) الذي سيكون يوم 14 مايو/ أيار المقبل، يوم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو الذي أيضاً ربما يكون قد حزم أمره ليعلن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الموقّع مع إيران عام 2015، وهو طموح ظلت «إسرائيل» تحلم به. رغم كل ذلك بدأت الحملة «الإسرائيلية» على ترامب من دافعين؛ أولهما، الانتقاد الشديد للضربة العسكرية الثلاثية على سوريا، وحصر تكرارها في عودة نظام بشار الأسد لاستخدام الأسلحة الكيماوية، وثانيهما، إعلان ترامب مجدداً عزمه على سحب قواته من سوريا بعد أن يتم ترتيب الأوضاع.

فقد اهتم «الإسرائيليون» بمقارنة التصريحات الأمريكية والتصريحات الروسية حول الضربة العسكرية، وأزعجهم الاكتفاء الأمريكي وكذلك الفرنسي والبريطاني بالحديث عن تنفيذ الهجمات بنجاح كما خطط لها، أي إصابة الأهداف التي جرى اختيارها للقصف، دون اهتمام بنتائج هذا القصف، على العكس من التغطية الروسية للضربة، حيث أكد الروس أن صواريخ سوريا أسقطت أكثر من 70% من الصواريخ التي أطلقت على سوريا، ما يعني أن الضربة لم تنجح بأكثر من 30% فقط، لكن ما هو أهم هو أن الصواريخ التي نجحت في الوصول إلى أهدافها، ربما لم تصل إلى مخازن الأسلحة الكيماوية المفترضة، وهذا يعني الفشل مئة في المئة لهذه الضربة.

يأخذ «الإسرائيليون» أيضاً على ترامب وإدارته إعلان أن «المهمة انتهت» بعد هذه الضربة، والإعلان عن معاودة الهجوم على سوريا في حالة لجوء النظام مرة ثانية إلى استخدام الأسلحة الكيماوية، ما يعني أن الأمريكيين أعطوا إشارة ضوء أخضر للرئيس السوري ليفعل ما يشاء باستثناء استخدام السلاح الكيماوي، هذا الاستنتاج وضع «الإسرائيليين» في مأزق صعب من منظور ما سوف تتعرّض له فصائل المعارضة المسلحة في المستقبل، والاحتمالات المؤكدة بتوسيع التمدد العسكري السوري شمالاً وجنوباً لبسط السيطرة على كافة الأراضي السورية دون رادع، ومن ثم امتلاك الرئيس السوري وحلفائه ناصية تحديد مستقبل سوريا، بما فيها مستقبل الوجود والنفوذ الإيراني، وهذا خطر لا تقبله «إسرائيل».

وبعيداً عن حدود الضربة يتابع «الإسرائيليون» النتائج المحتملة في ظل تطورين مهمّين؛ أولهما، احتمال الانسحاب الأمريكي من سوريا. فالواضح حتى الآن وجود انقسام حقيقي داخل الإدارة الأمريكية بين تيارين، أولهما، متشدد يرفض الانسحاب من سوريا ويطالب بتمديد الوجود العسكري الأمريكي، ويدعمه بقوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي، وعبّر عن نفسه من خلال مشروع القرار الذي جرى تقديمه إلى مجلس الأمن الدولي بعد أقل من 48 ساعة من تنفيذ الضربة الثلاثية، وهو المشروع الذي وصف بأنه «صارم»، يتناول المسارات الثلاثة التي تحدّث عنها الرئيس الفرنسي، السياسية والإنسانية والأسلحة الكيماوية.

انحازت السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هايلي إلى هذا التوجه، ويدعمها بالطبع كل من جون بولتون مستشار الأمن القومي الجديد والجنرال مايك بومبيو وزير الخارجية. فقد عبّرت هايلي عن اهتمامات هذا التيار الحريص على توظيف الضربة العسكرية الثلاثية لخدمة مشروع سياسي أمريكي في سوريا وفرض تحوّل استراتيجي على الدور الأمريكي لموازنة نتائج القمة الثلاثية التي عقدت في أنقرة بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران يوم 4 إبريل/ نيسان الجاري، وهي النتائج التي توحي باحتمال تشكيل تحالف إقليمي يضم هذه الدول، ويكون مفتوحاً لضم أخرى في مقدمتها سوريا والعراق.

أهداف تؤكد أن واشنطن لن تنسحب قريباً من سوريا، لكن «إسرائيل» تتابع التيار الآخر، وخاصة أن الرئيس ترامب هو من يتزعم هذا التيار، ومعه وزير الدفاع جيمس ماتيس والبنتاجون بشكل عام، وكانت السفارة الأمريكية في العاصمة الأردنية عمّان قد حرصت على أن توضّح للمعارضة السورية أن الضربات الأخيرة «كانت رد فعل لاستخدام النظام السوري السلاح الكيماوي، وليس من أجل إسقاط النظام».

التقييم الاستراتيجي «الإسرائيلي» لهذا الانسحاب الأمريكي المحتمل من سوريا هو أن «إسرائيل» سوف تفقد «مانع الصدمات المركزي لديها في الشرق الأوسط، وستكون وحدها في معركة مركبة حيال روسيا وإيران وسوريا». وهذا ما دفع نواب كثر من حزب الليكود الحاكم للانقلاب على الرئيس ترامب ووصفه بأنه «يكمل مهمة سياسة أوباما في الشرق الأوسط».

أما التطور الثاني فيتعلّق باحتمال إعادة تسليح روسيا لسوريا، بمنظومة صواريخ متطورة أرض جو من طراز «إس 300» كرد فعل طبيعي من جانب روسيا نتيجة ما تعتبره تهوراً وعدواناً ضد الحليف السوري. هذا التطور يثير ذعراً شديداً لدى «الإسرائيليين»، فهم يعتبرونه «ليس خطراً فقط على عمل سلاح الجو «الإسرائيلي» في سماء سوريا، بل وأيضاً في سماء لبنان، ما يضاعف من المخاطر الأمنية التي تتهدد»إسرائيل«في ظل احتمال نفوذ إيراني متصاعد في سوريا، خصوصاً إذا نفّذت واشنطن رغبتها في الانسحاب».

تطورات ومخاوف تزيد من فرص الصدام «الإسرائيلي» مع ترامب وإدارته.

 نقلا عن صحيفة الخليج

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى