نون والقلم

د.إدريس لكريني يكتب: القمة المغاربية المرتقبة والوضع العربي

يبذل الأمين العام للاتحاد المغاربي جهداً لعقد القمة السابعة لقادة دول المنطقة في ليبيا، كسبيل لإعطاء دفعة إلى العمل المشترك وتفعيل آليات هذا التكتل الذي لم يكتب له بعد مواكبة التطورات الدولية الراهنة في أبعادها المختلفة.

أخبار ذات صلة

فعلى هامش أشغال الدورة التاسعة والعشرين لمجلس جامعة الدول العربية في المملكة العربية السعودية، أجرى الطيب البكوش، لقاء مع وزير خارجية ليبيا حول هذا الموضوع.

لا شك أن انعقاد المجلس في هذه المرحلة بالذات؛ سيشكّل خطوة مهمة للمحافظة على ما تبقى من النظام الإقليمي المنهار، وفرصة لتداول عدد من القضايا التي تهمّ المنطقة المغاربية والعربية في أبعادها المختلفة، فالمنطقة تمرّ بظروف سياسية واجتماعية وأمنية صعبة، يعكسها التباين الصارخ في التعاطي مع عدد من المشكلات والقضايا، كما أن هناك شرخاً واضحاً وتراجعاً على مستوى العمل العربي والمغاربي المشتركين. وهي العوامل التي أسهمت بشكل كبير في تردّي النظام الإقليمي بمكوناته المختلفة، وفتحت الباب مشرعاً أمام تدخل القوى الإقليمية والدولية في شؤون المنطقة بصور لا تخلو من استفزاز..

غير أن ثمة الكثير من الصعوبات التي تحيط بهذا التوجه، فليبيا ما زالت تعيش على إيقاع الأزمات والصراعات الداخلية، بسبب الفشل في تجاوز مرحلة ما بعد القذافي، وانخراط بعض الجماعات الإرهابية في تعميق المعاناة وتأزيم الأوضاع، فيما تعاني تونس بدورها عدداً من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، والسجالات السياسية، علاوة على العلاقات المغربية – الجزائرية التي يطبعها قدر من التوتر بسبب الموقف من قضية الصحراء المغربية.. وهذه عوامل لا شك أنها ستؤثر بالسلب في هذه الجهود، بل ومن شأن استمرارها إفراغ أية قمة محتملة من أهميتها ونجاعتها.

إن البناء المغاربي حلم مشروع ويظل قائماً رغم كل التحديات، فهو خيار استراتيجي يستجيب لرغبة شعوب المنطقة ومدخل لمواجهة تحديات داخلية وخارجية مشتركة، في زمن تنامي فيه الرّهان دولياً على التكتّل كخيار مربح.

كما أن هناك مقومات عدّة تدعم هذا التوجّه، سواء تعلق الأمر بالمشترك التاريخي والثقافي والاجتماعي والحضاري، أو بحجم الإشكالات الخطيرة العابرة للحدود التي تواجه دول المنطقة برمّتها، والإمكانات الاقتصادية والطبيعية والبشرية، والموقع الجغرافي الحيوي، بما يوفّر أرضية خصبة لتكتل واعد في عالم اليوم.

إن الظروف التي تمر بها المنطقة المغاربية كما العربية في الوقت الراهن، تحيل في مجملها إلى وضع قاتم يستدعي إعمال العقل واستخلاص العبر والدروس من تجارب دولية في هذا الخصوص، بما يعنيه ذلك من تقديم المصالح العامة عن الخاصة، وتجاوز الأخطاء الاستراتيجية التي زجت بالمنطقة في متاهات من الصراع والأزمات، عبر الإنكباب على إصلاحات سياسية حقيقية تستجيب لتطلعات الشعوب من جهة، وبناء تكتلات قوية قادرة على تحويل الأزمات المتناثرة إلى فرص، عبر تجنيد كل القوى والإمكانات المتوافرة من جهة أخرى.

ثمّة حقيقة يفرضها الواقع الدولي الراهن، مضمونها أن امتلاك عناصر القوة بأبعادها المختلفة لا تكفي لتحقيق المصالح وتحصين الذّات ما لم توظّف بالصورة المطلوبة والذكية في هذا الخصوص. والعلاقات الدولية كما الطبيعة لا تحتمل الفراغ، ومن ثمّ إذا لم تبادر الدول العربية بجدّية إلى تجاوز مشاكلها الداخلية وخلافاتها البينية؛ فحتماً ستسعى الكثير من القوى الخارجية إلى ملء الفراغ وتوجيه الأحداث بما يخدم مصالحها الضيقة..

لا شك أن التحديات المطروحة حالياً، التي تكرس الجمود، في ارتباطها بغياب إرادة حقيقية لدعم البناء المغاربي بتفضيل القطرية وعدم التحمس لنسج علاقات ملؤها التعاون وفتح الحدود وتنقل الأفراد والبضائع والرساميل، وبانخراط البعض في دعم طروحات مسيئة لسيادة دول أخرى داخل الاتحاد، كلها عوامل تجسد الفرقة والشّك وهدر الإمكانات المتوافرة..

إن عقد قمة مغاربية هو أمر مطلوب وبخاصة في هذه المرحلة المفصلية التي تمر بها المنطقة العربية بشكل عام، غير أن ثمة الكثير من الإشكالات التي تجعل من أي تحرك على هذا المستوى، أو المراهن على مخرجات هذه القمة في حال انعقادها؛ دون جدوى؛ وخصوصاً ما لم يتم استحضار المصالح الاستراتيجية للمنطقة برمّتها، واستيعاب التحولات العالمية، عبر تجاوز المواقف المسيئة، وتنسيق التعاون على مختلف الواجهات وبناء علاقات اقتصادية متينة تسمح بتشبيك المصالح، وتدفع نحو حلّ المشاكل العالقة تدريجياً.

إن البناء المغاربي هو بحاجة إلى نخب سياسية جرّيئة ومستوعبة للتحديات المطروحة على المنطقة العربية برمّتها، بما يعنيه ذلك من طيّ للخلافات البينية والإنصات إلى نبض الشعوب واتخاذ قرارات استراتيجية بمنطق الربح والخسارة، بعيداً عن الاصطفافات والحسابات الضيقة، وتجنيد المقومات والجهود لتجاوز حالة الفوضى التي تعم المنطقة، والمرافعة بشأن قضاياها العادلة في مواجهة التحرشات الدولية والإقليمية التي ما فتئت تستغل حالة الهوان والضعف والفراغ الذي خلّفه تردّي النظام الإقليمي العربي..

ولعل الالتفات إلى أهمية المدخل الاقتصادي بما يحيل إليه من تشابك للمصالح العربية والمغاربية، وانخراط مختلف المكونات المجتمعية من جامعات ومراكز الأبحاث وفعاليات المجتمع المدني ونخب مثقفة وإعلام وأحزاب سياسية.. في تعزيز التواصل والتعاون في مختلف المجالات، بما يخدم المنطقة، وطرح كلفة هذا التصدّع وتداعياته بالنسبة للحاضر والمستقبل، من شأنه أن يدفع إلى اتخاذ قرارات جريئة تمنع خروج الأمور عن نطاق التّحكم والسيطرة، وتدعم خيار التكتل في مواجهة تحديات ومخاطر تواجه الجميع بلا استثناء في محيط إقليمي ودولي ملتهب ومتهافت.

نقلا عن صحيفة الخليج

 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى