نون والقلم

خيرالله خيرالله يكتب: قمّة الوضوح والواقعية

كان الملك سلمان بن عبدالعزيز واضحاً كلّ الوضوح عندما سمّى قمة الظهران، وهي القمة العربية الـ29 بـ«قمّة القدس». انعقدت القمة في الظهران أي في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية لتثبيت ان لا فارق بين منطقة سعودية وأخرى او بين مواطن سعودي وآخر. بدت كلّ رهانات ايران في غير محلّها، حتّى لو كان الأساس في كلّ سياساتها ومشروعها التوسّعي اثارة الغرائز المذهبية. الاهمّ من ذلك كلّه، ان الدعم العربي للقدس من خلال قمّة الظهران يستهدف تأكيد ان المتاجرة بالفلسطينيين وقضيّتهم، والقدس بالذات، لم تعد تنطلي على احد. هناك دعم عربي للفلسطينيين وموقف موحّد من القدس الى حد كبير ولا مجال لمزايدات تقوم بها ايران او غير ايران.

لم يعد من مجال لحشر العرب في زاوية بسبب القدس. في أساس ما تعاني منه القدس الآن تلك التصرفات الايرانية التي تصبّ في خدمة إسرائيل لا اكثر ولا اقلّ. لو كانت ايران دولة طبيعية،لما كانت طريق القدس تمرّ ببغداد والبصرة والموصل، ولا بحمص وحماة وحلب، ولا بدمشق والغوطة، ولا بالقصير ومضايا والزبداني.

كان لا بدّ من قمة مثل قمّة الظهران لتسمية الأشياء باسمائها بدل السقوط في الفخّ الايراني القائم على احراج العرب عموما عن طريق القدس. منذ قامت الثورة الايرانية في العام 1979، رفعت ايران شعار «تحرير القدس». ما الذي فعلته ايران من اجل القدس منذ 1979؟ الجواب بكلّ بساطة انّها عملت كلّ ما يمكن ان يخدم المشروع الإسرائيلي الذي يقوم أساسا على اظهار العرب عموما، والفلسطينيين على وجه التحديد، بانّهم يرفضون السلام.

لعبت ايران كلّ الأدوار المطلوب منها كي تظهر إسرائيل في مظهر الضحيّة، في حين انّها الجلّاد. ليس الكلام الذي يتحدّث عن محو إسرائيل من الوجود وانّها «غدّة سرطانية» سوى خدمة لتلك الدولة التي تمارس الإرهاب بكلّ اشكاله متذرعة بان لا شريك يمكن التفاوض معه. عندما دعمت ايران ومن معها العمليات الانتحارية التي نفّذتها «حماس» ومن يلفّ لفها في القدس وتل ابيب وأماكن أخرى، كانت تقدّم اكبر خدمة لإسرائيل. أظهرت ان ليس في استطاعة الجانب الفلسطيني الدخول في عملية تفاوضية تؤدي الى سلام. لم يكن هدف العمليات الانتحارية خدمة اليمين الإسرائيلي فحسب، بل كان الهدف الحقيقي أيضا تدمير السلطة الوطنية الفلسطينية التي ما لبثت ان وجدت نفسها في وضع لا تحسد عليه… وصارت مهمتها الوحيدة في نهاية المطاف تحويل نفسها الى أداة امنية لا اكثر. هل هذا ما تريده ايران للفلسطينيين ولقضيتهم التي عملت قمة الظهران الى إعادة الحياة اليها.

ما كشفته القمّة أيضا ان لا عقدة عربية تجاه إدارة دونالد ترامب. من ابرز ما ورد في اعلان قمّة الظهران «بطلان القرار الاميركي في شأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وعدم شرعيته».

في النهاية ما الذي تفعله ايران في اليمن؟ ما الهدف من دعم ميليشيا مذهبية سمّيت «انصار الله» على رأسها عبدالملك الحوثي؟ الواضح ان الهدف الوحيد، إضافة الى تدمير اليمن وتقسيمه من منطلقات مذهبية، تهديد الامن السعودي. لم يفت قمّة الظهران الإشارة الى ذلك. كان كلام الملك سلمان في صدد الصواريخ الايرانية التي يطلقها الحوثيون في اتجاه الأراضي السعودية انطلاقا من الأراضي اليمنية كلاما مباشرا. بعد كلام العاهل السعودي، لم تعد من حاجة الى أي تفسير للأسباب التي تدعو المملكة وحلفاءها الى التركيز على الخطر الايراني الذي مصدره اليمن.

حققت قمة الظهران المطلوب تحقيقه. لم تهرب من الاستحقاقات الإقليمية. اذا كانت إسرائيل تشكل خطرا، فان ايران تشكل هي الأخرى خطرا. لذلك طالبتها القمّة بـ«سحب ميليشياتها والعناصر المسلّحة التابعة لها من كلّ الدول العربية وبالأخص سورية واليمن». كانت هناك في هذه الفقرة مراعاة واضحة للعراق ولبنان حيث تلعب الميليشيات التابعة لإيران دورا في تعطيل أي تقدّم على ايّ صعيد في هذين البلدين العربيين اللذين شاركا في القمّة.

اختتمت قمّة الظهران اعمالها. ماذا بعد القمّة التي كشفت مرّة أخرى ان ايران الملالي ليست مختلفة عن ايران الشاه، خصوصا عندما يتعلّق الامر باحتلال ارض عربية بدليل انّها لا تزال في الجزر الاماراتية الثلاث منذ 1971. لم يفت قمّة الظهران «تأكيد سيادة دولة الامارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى)» ودعم «كلّ الاجراءات التي تتخذها الامارات لاستعادة سيادتها عليها» و «دعوة ايران الى الاستجابة لمبادرة دولة الامارات العربية المتحدة الى إيجاد حل سلمي لقضية الجزر الثلاث عن طريق المفاوضات المباشرة او اللجوء الى محكمة العدل الدولية».

وضعت قمّة الظهران النقاط على الحروف ان بالنسبة الى إسرائيل والقدس او بالنسبة الى ايران. قالت لا للمزايدات الايرانية وقالت لادارة ترامب ان التحالف مع الولايات المتحدة لا يعني الرضوخ لموقفها من القدس. كشفت ان ليس لدى العرب ما يستحون به وأنّهم ما زالوا موجودين في المنطقة وانّ كلّ كلام عن انتصارات وهمية لا معنى له. الدليل على ذلك ان الاميركيين والفرنسيين والبريطانيين قصفوا المنشآت المرتبطة بإنتاج سلاح كيميائي في سورية. ماذا كانت النتيجة؟ النتيجة ان روسيا تظاهرت بانها لم تر الصواريخ الأميركية والفرنسية والبريطانية. اما ايران، فاعلنت عبر الناطقين باسمها، مثل الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله انها انتصرت وان «العدوان الثلاثي» لم يتجرّأ على عمل عسكري أوسع!

لا يشبه كلام نصرالله في 2018 سوى الكلام الذي ردّده البعثيون في سورية بعد هزيمة 1967 واحتلال إسرائيل للجولان. قالوا وقتذاك ان سورية «انتصرت» لان النظام لم يسقط. الواقع، انّه لم يكن مطلوبا، إسرائيليا، في ايّ وقت اسقاط النظام الذي سلّم الجولان والذي يتولّى حاليا تفكيك سورية وتفتيتها بدعم إيراني. هل بات مسموحا الآن توجيه كلّ الضربات الى سورية شرط عدم اسقاط النظام؟

اذا كان من فضيلة لقمّة الظهران، فهذه الفضيلة تتلخّص بانها مثلت قمّة الواقعية والوضوح العربيين. انعقدت القمّة بعد الجولة الطويلة للامير محمّد بن سلمان وليّ العهد السعودي في الولايات المتحدة. تؤكد هذه الجولة وجود إرادة حقيقية في معرفة اميركا كما هي، وعن كثب، وليس كما يتصورها الذين لم يطأوا ارضها يوما.

كانت قمة الظهران دليلا على وجود مملكة عربية سعودية جديدة تفرّق بين الواقع والاوهام. بين ما يمكن عمله وما لا يمكن عمله. مملكة تسمّي الصديق صديقا والعدو عدوّا، مهما زايد هذا العدوّ في القدس وفلسطين.

نقلا عن صحيفة الرأى الكويتية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى