نون والقلم

تركيا والأزمة الخليجية

أغلب الظن، ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان قد جانبه الصواب في الموقف الذي اتخذه من الازمة بين قطر من جهة، والسعودية والامارات والبحرين من جهة اخرى . ليس لانه وقف الى جانب قطر في الازمة، بل لانه بالغ في التعبير عن هذا الموقف،  بالتصريحات الكلامية والخطوات العملية .

كان معروفا منذ سنوات، العلاقة الخاصة التي تربط قطر بتركيا. فهي علاقة تختلط او تتزاوج فيها الايديولوجيا مع السياسة والمصالح . فكلا البلدين يشتركان في دعم جماعة الاخوان المسلمين، وكلاهما لهذا السبب يقفان ضد النظام في مصر الذي اطاح بحكم الاخوان. كما ان البلدين يتشاركان في دعم العديد من التنظيمات المعارضة في سوريا، في الوقت الذي لدى البلدين ايضا حساسية سياسية  من الحكم في  السعودية ومعها دولة الامارات، التي يتهمها اردوغان انها ابدت تاييدا لمحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في شهر تموز الماضي، رغم نفي الامارات لهذه التهمه. وعلى الصعيد الاقتصادي تنامى قطاع الاستثمار بين قطر وتركيا في السنوات الاخيرة بشكل ملفت، حيث يبلغ حجم الاستثمار القطري في تركيا اكثر من  عشرين مليار دولار بينما يبلغ الاستثمار التركي في قطر ما يقرب من هذا الحجم  .

وفي عام 2014 وبعد ازمة سحب السفراء الخليجيين من الدوحة، لجأت قطر الى تركيا لتقوية موقفها، واجتهدت بان تبعث برسائل سياسية وعسكرية الى الدول الخليجية الاخرى، عبر التوقيع  على اتفاق عسكري مع تركيا ينشئ قاعدة عسكرية في قطر. وبعد توقيع الاتفاق بعام واحد   بدأ الجنود الاتراك بالتوافد على قطر، وان كان بعدد  قليل اذ لم تكن القاعدة العسكرية قد اكتمل بناؤها بعد . وفي ذات الوقت الغيت تاشيرات السفر بين البلدين .

وبعد انفجار الازمة الخليجية الحالية، بدى موقف تركيا في الساعات الاولى اكثر حيادية. غير ان اردوغان اتخذ فجاة موقفا منحازا،  ثم جمع البرلمان واتخذ قرارا بالسماح للحكومة بارسال قوات الى قطر، رافعا  سقف حجم هذه القوات  الى خمسة الاف جندي.

فوجئت الدول الخليجية بهذا الموقف التركي المبالغ فيه،  خاصة انه تضمن خطوات عسكرية في الوقت الذي يستبعد فيه الجميع استخدام الخيار العسكري في الازمة الخليجية . حيث لم يكن للقرار التركي اي مبرر في هذه الحاله. غير ان الدول الخليجية فهمت ان هذه الخطوات تحمل رسائل سياسية اكثر مما تحمل من الرسائل العسكرية.

واكثر هذه الرسائل حساسية، هي ان القرار التركي لم يكن من الممكن اتخاذه دون موافقة واشنطن.  كما ان اي تفكير خليجي بالتحرك العسكري مستقبلا ضد الدوحة يعني مواجهة مع  تركيا، وبالتالي فان الخطوات التركية ستضيف قوة للموقف القطري من الازمة .

ويرى البعض ان انقره شعرت بالقلق من الاتهامات الخليجية ضد قطر. اذ من المحتمل ان توجه التهم ذاتها ضد تركيا، واهمها دعم الارهاب خاصة وان انقره  كما هو معروف ، كانت المنفذ الوحيد للافراد والجماعات الذين كانوا ينوون الانضمام لتنظيم داعش الارهابي، الى ان ضغطت واشنطن عليها لاغلاق منافذها امام داعش الذي رد بعمليات تفجير في الداخل التركي .

لم تاخذ الدول الخليجية الوساطة التركية الاخيرة لحل الازمة على محمل الجد، بعد ان اتخذت موقفا منحازا للدوحة . اذ لايمكن قبول وساطة طرف منحاز. ولكي يبدو الموقف التركي وكأنه متوازن،عرضت تركيا على الرياض اقامة قاعدة عسكرية تركية على الاراضي السعودية  كما هو الحال مع قطر . وكان العرض التركي فيه من العجب اكثر مما فيه من عنصر المفاجاة والدوافع المكشوفة. وكان من الطبيعي ان يلقى رفضا سعوديا. فالعثمانية التي عادت الى الجزيرة العربية من جديد عبر النافذة القطرية بعد قرن من خروجها،  ستتوقف عندها .

كانت العلاقات التركية السعودية قد تحسنت في بداية عهد الملك سلمان، بعد ان اصابها الفتور بسبب موقف تركيا مما حدث في مصر . الا ان اشتراك تركيا والسعودية في موقف متماثل مما يجري في سوريا، اضطرهما لتحسين وتطوير علاقاتهما على الصعيدين السياسي والاقتصادي .

الموقف التركي من الازمة مع قطر والحملات الاعلامية التركية ضد الدول الثلاث المقاطعة لقطر، وتصريحات بعض المسؤولين الاتراك ضد نظام الحكم السعودي، سيؤدي الى طلاق تدريجي بين الدول الثلاث وتركيا. وهذا هو الخطا الاستراتيجي الذي ارتكبه اردوغان في موقفه المبالغ فيه من الازمة . فقد كان من الممكن ان يتخذ موقفا اقل حدة، ويحافظ في الوقت نفسه على علاقاته مع الدول الثلاث المقاطعة لقطر  . لكنه اختار قطرا بدلا من هذه الدول، وهو موقف تغلبت فيه الايديولوجيا على المصلحة التي ستصاب بضرر لا يمكن تعويضه خاصة وان علاقات انقرة مصابة بالعطب مع العديد من الدول . فهناك قطيعة مع مصر،  وفتور الى حد البرود مع واشنطن، وتأرجح  مع ايران التي اتفقت معها لاول مرة على موقف مشترك من الازمة الخليجية، ويضاف الى كل هذا، تراجع الدور التركي في الازمة السورية، بعد ان تقاسم هذا الدور الروس والامريكان .

لانلوم تركيا على موقفها المؤيد لقطر فهذا شانها. ولكننا نعتقد ان الموقف التركي من الازمة  تغلبت فيه العاطفة على التدبير السياسي. ونعتقد ايضا ان الدول الخليجية الثلاث المقاطعة لقطر لن تجعل هذا الموقف التركي يمر دون ردود سياسية واقتصادية تدريجية ضد انقره حتى لو تمت تسوية الازمة مع قطر.  فقد انقطع الوصل بينهما، وسيذهب كل طرف في الاتجاه المعاكس بغض النظر عن حجم الخسائر المترتبة على ذلك، اذ لامجال في هذه الحالة للحديث عن الارباح لكلا الطرفين.

نقلا عن صحيفة الدستور الأردني

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى