اخترنا لكنون والقلم

أحداث 11 سبتمبر واختزال الأولويات

قبل أيام حلّت ذكرى أحداث 11 سبتمبر ؛ ليعاد معها طرح الكثير من الأسئلة المتّصلة بمدى نجاعة الجهود التي راكمها العالم على امتداد أكثر من عقد ونصف من الزمن في سبيل الحدّ من ظاهرة الإرهاب.
شكلت الأحداث منعطفاً كبيراً في تطور ظاهرة الإرهاب وفي أداء الجماعات المسلحة؛ بالنظر إلى التداعيات الأمنية والسياسية والاقتصادية الخطيرة التي خلّفتها؛ سواء بالنسبة للدّاخل الأمريكي أو على المستوى الدولي.
منذ ذلك الحين قادت الولايات المتّحدة حملة واسعة لمكافحة الظاهرة؛ سخّرت لها إمكانات عسكرية وتقنية ومالية ضخمة؛ حيث أبرمت العديد من الاتفاقيات الثنائية والجماعية في هذا الشأن، بل وصل بها الأمر إلى حدّ توظيف القوة بصورها الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية في هذا الإطار، إضافة إلى التضييق على الحقوق والحريات بذريعة مكافحة الإرهاب وتوفير الأمن..
فيما راكم مجلس الأمن مجموعة من القرارات التي اعتبرت الظاهرة تهديداً حقيقياً للسلم والأمن الدوليين؛ ونحت إلى مطالبة الدول بتشديد الخناق على الجماعات الإرهابية في مناطق مختلفة من العالم، وكذلك الأمر أيضاً بالنسبة لعدد من التنظيمات الإقليمية التي انخرطت بحماس في هذه الحملة غير المسبوقة..
في مقابل هذه الجهود والمبادرات المكثّفة؛ جاءت – وإلى حدود اليوم – النتائج متواضعة بل هزيلة؛ ولم تصل إلى مستوى التحديات التي تطرحها هذه الظاهرة العابرة للحدود أو إلى مستوى المطالب التي عبّرت عنها الكثير من الدول منذ بداية الحملة.. وهو ما يعكسه تمدّد الجماعات الإرهابية واستهدافها لمناطق مختلفة؛ امتدت إلى الداخل الأوربي في عدد من المرات..
تشير الوقائع الميدانية إلى أن الجماعات المسلّحة استغلت بصورة ماكرة حالة الارتباك الأمني والسياسي الذي طال عدداً من الدول في إفريقيا وآسيا كالصومال، ونيجيريا، ومالي وتشاد والسودان وليبيا وتونس والعراق واليمن وسوريا.. للتمركز بعيداً عن رقابة الأجهزة الأمنية ولتعيد رسم خططها وتجنّد عناصر جديدة ضمن صفوفها..
كل المؤشرات تفيد أن الجهود التي اتّخذت بعد الأحداث لم تفرز نتائج مرضية؛ بل أكثر من ذلك فوتت على العالم فرصاً جيدة في الالتفات إلى إشكالات أخرى لا تخلو من خطورة وأهمية..
إن النقاشات السياسية والأكاديمية التي أعقبت الأحداث؛ والتدابير التي اتخذت بعد ذلك كانت تؤكد بأن الدول الكبرى والأمم المتحدة وغيرها من التنظيمات الدولية والإقليمية الأخرى؛ اختزلت جهودها في التركيز على مكافحة الإرهاب على حساب أولويات طرحت بشكل ملحّ في أعقاب نهاية الحرب الباردة..
في سنوات التسعينيات من القرن الماضي؛ تعززت آلية المؤتمرات الدولية كسبيل لتنسيق الجهود والتعاون في سبيل التعاطي مع هذه المخاطر؛ ونذكر في هذا الصدد مؤتمر البيئة (قمة الأرض) بريو دي جانيرو في البرازيل عام 1992 ومؤتمر السكان بالقاهرة عام 1995..
حقيقة أن تشابك العلاقات الدولية نتيجة تزايد الاعتماد المتبادل وتشابك المصالح بين مختلف أشخاص القانون الدولي؛ جعل من مواجهة هذه المخاطر الآخذة في التطور والانتشار أمراً ملحاً؛ لما تفرضه من تحديات أمام جميع الدول في ظرفية لم تعد فيها الحدود الجغرافية والسياسية حصناً منيعاً للاحتماء من آثارها.. غير أن مكافحة الإرهاب هيمنت بشكل ملحوظ على أجندة السياسات الدولية؛ واستنفدت الكثير من الجهد والوقت والإمكانات من دون جدوى؛ فيما لم تنل باقي المخاطر والتحديات نفس الاهتمام والأولوية.. وهو ما يظهره الارتباك الحاصل على مستوى التعامل مع قضايا الهجرة واللجوء بسبب تغليب الجوانب الأمنية للظاهرتين على حساب خلفياتهما الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.. والأمر نفسه، ينطبق على ملف تلوث البيئة الذي لم تتحمّس له الكثير من المؤسسات الدولية والقوى الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية رغم التحذيرات المتزايدة التي تحملها التقارير الصادرة عن المنظمات والمراكز المختصة في هذا الصدد..
لا شك أن الجهود التي راكمها المجتمع الدولي في سبيل الحدّ من الإرهاب منذ أحداث الحادي عشر من شهر سبتمبر لعام 2001 وعلى أهميتها؛ تحتاج إلى مراجعة وتطوير.. بصورة تقف على العوامل الحقيقية التي تغذّي الظاهرة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والتربوية.. وفي ارتباطها أيضاً بتزايد بؤر التوتر المزمنة والمنتشرة في مختلف بقاع العالم..
إن ما يزيد من مخاطر الإرهاب الدولي في العقود الأخيرة؛ ويجعل من مطلب ترسيخ السلام أمراً ملحًّا؛ هو ذلك التحوّل الحاصل في أداء وهجمات الجماعات المسلحة؛ ولذلك فكسب هذا الرهان لا يمكن أن يتحقّق إلا عبر مواجهة التهديدات والمخاطر الدولية في شموليتها دون تمييز بين هذا العنصر أو ذاك، فهناك علاقة وطيدة بين الجريمة والمخدرات من جهة؛ وتزايد انتشار الأمراض الخطيرة من جهة أخرى، كما أن هناك علاقة قوية بين انتشار الفقر والأمية والأوبئة من جهة، وتزايد الصراعات وتفشي العنف والتطرف من جهة أخرى…
إن تنامي هذه المخاطر مجتمعة ينبغي أن يشكّل دافعاً نحو تذليل الخلافات الدولية ونبذ الصراعات؛ ومحفزاً على الحوار والتعاون والتنسيق لمواجهتها خدمة للأجيال القادمة؛ وبخاصة وأن هذه المخاطر آخذة في التمدّد والانتشار وقد تخرج عن نطاق التحكم والسيطرة في أية لحظة.

نقلا عن صحيفة الخليج

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى