نون والقلم

فوزية رشيد تكتب: الوجود الأمريكي المتزايد في العراق والحوار السري مع إيران!

 

في السنوات الماضية وحيث حوار 5+1 حول الملف النووي الإيراني، كان في جزء مهم منه حوار سري، رغم أنه يتعلق بأمر فادح حول التدخلات الإيرانية ومصير دول الخليج العربي والمنطقة، وهو ما اتضح بعد ذلك أن الجانب السري هو الذي أدى إلى فتح باب (الشراهة الإيرانية) في التوسع في العديد من الدول العربية بتواطؤ أمريكي غربي! وتم تبرير ذلك لا حقا، بأن «عهد أوباما» كان قد جاء في خضم (مشروع الفوضى وتطبيقه)، وأن «عهد ترامب» سيكون مختلفا، وهو ما لم يحدث حتى الآن!

وقيل وقيل.. وبين ما قيل إن أمريكا تراجعت عن اهتمامها بالشرق الأوسط! وأنها بذلك تترك فراغا سياسيا أو جيواستراتيجيا تحاول دول أخرى ملئه، منها روسيا وعلى المستوى الإقليمي إيران وتركيا! وكنا نكرر أن مجيء ترامب لن يغير (الجوهر) في الاستراتيجية الأمريكية، لا تجاه أدواتها (إيران وقطر خاصة) ولا تجاه دول الخليج والدول العربية، حتى وإن تغيرت بعض السيناريوهات السابقة! فجاء «ترامب» ومهمته (استنزاف الأموال الخليجية) بطرق مختلفة -وقد قال ذلك بوضوح في عدة فيديوهات قبل وبعد رئاسته- ثم القضاء على القضية الفلسطينية بالإخلال الفادح بحل الدولتين، ثم الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني، والعمل على تهويد فلسطين كلها بحيثيات «صفقة القرن!» التي لم يُنشر الكثير من خباياها بشكل علني حتى الآن! إلى جانب تعزيز الوجود الأمريكي في العراق وسوريا، وحيث «ترامب» يرى أنه لا بد من (الاستفادة الكاملة من النفط العراقي وثروات العراق عبر الاستيلاء)! وهو الخط الذي تسير عليه إيران أيضا هناك!

‭{‬ قبل فترة نشرت أخبار الخليج في صفحة (أخبار عربية ودولية) بتاريخ 23/1/2018 خبرا لم يلق اهتماما من الإعلام العربي، وكتبه من بغداد (د.حميد عبدالله) وللأهمية نتطرق إلى أهم ما جاء فيه:

1- أن مصادر أمنية في بغداد قالت إن الولايات المتحدة عرضت على حكومة «العبادي» إنشاء (20 قاعدة عسكرية أمريكية) على الأراضي العراقية، وقوبل بالرفض، واستعاضت عنه واشنطن بنشر قواتها في (20 موقعا عسكريا) من دون معرفة إن كان ذلك قد حظي بموافقة عراقية أم لا! وقد قال النائب «صادق اللبنان» إن (أعضاء مجلس النواب العراقي لا يعرفون الأعداد الحقيقية للجنود الأمريكيين الموجودين في العراق)! وأن الحكومة العراقية لم تكشف عن ذلك للمجلس، رغم أنه يحتاج إلى (غطاء تشريعي) يقره البرلمان!

2- كشف الكاتب نفسه في الخبر عن أن «مصادر سياسية مطلعة» في بغداد كشفت أن (واشنطن اقترحت جلسات لحوار سري بينها وبين طهران) ربما في جنيف أو مسقط لمناقشة ملفات مهمة من بينها «الملف العراقي» ودور إيران في العراق فضلا عن الملف النووي الإيراني! وأن ذلك سيكون من خلال (وسيط عربي)! وأن شرط واشنطن (أن تبقى المحادثات سرية)!

‭{‬ هكذا نرى أن لعبة الكلام الإعلامي حول تضاؤل اهتمام واشنطن بالعراق وبدول المنطقة ونفطها هو مجرد كلام للاستهلاك، ينقضه الأمر الواقع و(الاستماتة الأمريكية في توسيع قواعدها العسكرية) رغم أفول نجم «داعش»! لتضيف إلى سفارتها التي هي أكبر سفارة أمريكية في العالم والموجودة في بغداد (20 ألف موظف) إلى جانب مناطق انتشارها الأخرى في العراق، تضيف إلى كل ذلك (وبدون تشريع البرلمان) لوجودها هنا (20 موقعا عسكريا) هي في النهاية لا تختلف في آليات عملها عن «القواعد العسكرية» ولكن (بشكل سري) كما يبدو! إذن (الاحتلال الأمريكي لم ينته) كما تم الترويج له إعلاميا وخطابيا وسياسيا! بل هو يسعى إلى ترسيخ نفسه في العراق! وبذلك يتضح لصاحب البصيرة أن (المشروع الأمريكي بدوره لم يتوقف أو ينته) كما يتم الإيهام أيضا من بعض المحللين ومنهم عرب! ولا تعليق آخر!

‭{‬ أما بخصوص (الحوار السري) مع طهران والمزمع عقده، هذا إن لم يعقد، والذي يجيد الطرفان (الأمريكي والإيراني) لعبته في حال تسرب أي خبر عنه، ومنه (لعبة النفي) فإن واشنطن ورغم كل تصريحاتها النارية ضد إيران، لا تزال تعمل على (سرية الحوار بينها وبين طهران) وحول شؤون بلدان عربية أيضا تعتبرهم أمريكا حلفاء لكنها لا تريد أن يعرفوا شيئا عما يدور بينها وبين إيران! وبالطبع السرية هنا في مناقشة ملفات الخلاف، تعني السرية -كما في ملحق الملف النووي- حول (تقاسم مناطق النفوذ والوجود) في العراق وغيرها. ما دام الخبر يتحدث عن (بحث جميع الخلافات) فأين حلفاء واشنطن العرب مما سيتم بحثه سريا (عن دولهم) من هذا الحوار الذي يأتي في خضم تزايد (الخطاب العدائي) المتبادل بين واشنطن/ ترامب وطهران/خامنئي؟!

لقد عرفنا ما أنتجه «الملحق السري» في الملف النووي، من تزايد الإرهاب الإيراني في المنطقة، وتزايد توسعها، فما الذي سينتجه (الحوار السري) هذه المرة من مصائب جديدة، ومازلنا نعتقد أن واشنطن حليف استراتيجي؟!

إن كنت تعلم فتلك مصيبة، وإن كنت لا تعلم فالمصيبة أكبر!

نقلاً عن صحيفة أخبار الخليج البحرينية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى